-A +A
فارس القحطاني (الرياض)faris377@
مضى نحو عامين على تمسك مجلس الشورى بقراره الذي اتخذه بالأغلبية بشأن تعديل نظام العمل لصالح مليوني موظف سعودي يعملون في القطاع الخاص، بخفض ساعات عملهم الأسبوعية إلى 40 ساعة، ومنحهم إجازة يومين بعد كل خمسة أيام عمل متتابعة، ففي الثالث والعشرين من ربيع الآخر عام 1437 رفض «الشورى» تعديلات مجلس الوزراء المقترحة على المادة 98 من نظام العمل التي يرى «الوزراء» أن تنص على جواز تشغيل العامل تشغيلاً فعلياً أكثر من تسع ساعات في اليوم الواحد إذا اعتمد صاحب العمل المعيار اليومي، أو أكثر من 45 ساعة في الأسبوع إذا اعتمد المعيار الأسبوعي.

وأنهى «الشورى» بذلك تباين وجهات النظر بين المجلسين لصالح التمسك بقراره الصادر عنه في الثالث عشر من ربيع الآخر عام 1435 بشأن تعديلات المواد (98،100،104) من نظام العمل الجديد، ممضياً بذلك نحو أربعة أعوام على الموافقة على تعديل هذه المواد، وتفاعلت معه مؤسسات وشركات كبرى وصغرى في القطاع الخاص، ومنحت موظفيها إجازة يومين وخفضت ساعات العمل تجاوباً مع هذا القرار، إلا أن هناك مؤسسات تراجعت عن منح موظفيها إجازة اليومين، وسلبت منهم هذا الحق الذي منحته لهم دون تبرير لتراجعها.


ورفع «الشورى» إلى خادم الحرمين الشريفين بالتعديلات المشار إليها بعد إقرارها مباشرة وفقاً للمادة 17 من نظام «الشورى»، التي نصت على أنه «إذا تباينت وجهات النظر بين المجلسين فيعاد الموضوع إلى «الشورى» ليبدي ما يراه بشأنه ويرفعه إلى الملك لاتخاذ ما يراه»، بينما تنص المادة قبل التباين على أن «ترفع قرارات الشورى إلى الملك، ويقرر ما يحال منها إلى مجلس الوزراء، فإذا اتفقت وجهات نظر مجلسي الوزراء والشورى تصدر القرارات بعد موافقة الملك عليها».

وبالعودة إلى مسيرة دراسة التعديلات على نظام العمل، فقد رجح مجلس الشورى مصلحة المواطن العامل في القطاع الخاص وغير السعوديين أيضاً الذين تجاوز عددهم ثمانية ملايين و416 ألفا، على المستثمر وصاحب العمل حينما رفض التراجع عن قراره خفض ساعات العمل إلى 40 ساعة أسبوعية ومنح يومي إجازة بعد كل خمسة أيام عمل، مؤكداً حين تمسكه بقراره السابق أن العدول عن القرار الذي حاز على الأغلبية يضعف من قوة نظام العمل -حسب تقرير اللجنة المختصة- في جذب المواطن على حساب تعديلات أخرى تجذب المستثمر وصاحب العمل، وأن تعديل المواد السابقة كان في سياق مجموعة واسعة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والقانونية والإجرائية التي تهدف إلى تنويع بنية الاقتصاد السعودي وتهيئته للتحول إلى الاقتصاد المعرفي وتحسين مقومات تنافسيته، وزيادة قدرة الشركات الوطنية على جذب المواطنين للعمل فيها بدلاً من القطاع العام، كما أكد تقرير «الشورى» أنه لم يكن هناك في السابق أي تحفظ حينما كانت المواد المشار إليها ضمن المواد المعروضة للتعديل كافة، وقد درست باستفاضة في المجلس الاقتصادي الأعلى قبل إلغائه وهيئة الخبراء وشاركت في الدراسة وزارات المالية والاقتصاد والعمل والداخلية والتجارة، قبل عرضها على الشورى وبمراجعة محاضر الاجتماعات كافة وجد المجلس ما يدل على تأييد تام من الجميع لمطلب هذه البنود بناء على طلب وزارة العمل.

وأوضح التقرير أن مواد العمل -محل النقاش- سبق أن عرضت على «الشورى» للتصويت عليها مرتين، وفي كلتيهما رأى المجلس ضرورة تخفيض ساعات العمل من 48 ساعة أسبوعياً إلى 40، على ألا تزيد ساعات العمل اليومية عن ثماني ساعات، كما رفض الأخذ بمقترح العمل 45 ساعة في الأسبوع مع إجازة يومين وتسع ساعات عمل يومية.

وحرص المجلس على الاستماع لرأي ممثلين من مجلس الغرف واللجنة التأسيسية واللجان العمالية ليأخذ في الاعتبار وبحيادية تامة ما فيه مصلحة المجتمع ككل، وأكد أن التعديل في مواد نظام العمل كان بقصد الموازنة بين حاجة المستثمر إلى بيئة اقتصادية أكثر جذباً للربح وحاجة المواطن إلى بيئة أكثر جذباً للعمل، فرأى ضرورة الحسم في تعديل النظام بحيث يخفض ساعات العمل إلى 40 ساعة.

وأشار تقرير «الشورى» إلى أن الكثير من الدراسات، خصوصا من الدول التي خفضت ساعات العمل وأعطت العاملين فيها حق يومي إجازة، أثبتت الأثر الإيجابي على الاقتصاد المحلي حتى من الموظفين الأجانب، وساهم في التنوع الاقتصادي واستفادة الجميع بمن فيهم العمالة الأجنبية بوقت فائض أكثر للتسوق والخروج مع أسرهم للترفيه والتنقل وزيارة المدن.

وشدد تقرير المجلس على أن الغرض من تخفيض ساعات العمل إلى 40 ساعة يومياً هو الوصول إلى التوازن الاقتصادي والاجتماعي الأمثل لشرائح المجتمع كافة، مؤكداً أن التنمية الاقتصادية ليست بمعزل عن التكافؤ الاجتماعي الملازم له أو على حساب مصلحة شرائح عديدة في المجتمع ستتضرر من عدم توطين الوظائف في القطاع الخاص بالسرعة المطلوبة، وبين أن ساعات العمل الطويلة تتسبب في عزوف الشباب من أبناء الوطن عن العمل في القطاع الخاص وتفضيل القطاع العام الذي لا تتجاوز ساعات العمل فيه 35 ساعة مع يومي إجازة في الأسبوع، كما أن لساعات العمل الطويلة آثارا سلبية على ترابط الأسرة وتربية الأبناء، خصوصا بالنسبة للمرأة العاملة، وهي تحد من فرص عملها عموماً، كما تؤثر ساعات العمل الطويلة سلباً على الارتباطات الاجتماعية في مجتمع لا يزال متمسكاً بالعلاقات الاجتماعية على جميع المستويات بين أبناء الأسر والحي والمدينة والقبيلة.