-A +A
عزيزة المانع
مفردة الفساد أضحت من أكثر المفردات ترددا على ألسنة الناس هذه الأيام، وهي غالبا حين تذكر تكون مرتبطة في الأذهان بالفساد المالي كالسرقة والاختلاس والرشاوى وغسيل الأموال وغيرها مما يتعلق بالشؤون المالية، وعادة يعلل الناس حدوثها بالطمع أو غياب الوازع الديني أو لغياب الرقابة والمحاسبة، لكنهم قليلا ما يعللون حدوثها لغياب مهارة التفكير العلمي لدى الفاسدين.

فالفاسد حين ينساق وراء مغريات الطمع وموت الضمير الديني والشعور بالأمن من كشف ستره وتعرضه للمحاسبة، هو ينساق وراء ذلك كله لأنه لا يتقن مهارة تطبيق منهج التفكير العلمي على شؤون الحياة، فمن المعروف علميا أن ما يحمي الإنسان من الانحرافات السلوكية، هو نمط تفكيره النابع من داخل ذاته حيث يكون التفكير السليم هو الرقيب على التصرفات، أما ما عدا ذلك كالرقابة والمحاسبة أو الوعظ والنصح، فلا تنجح دائما، وما أسهل التحايل عليها والانفكاك منها!


وأكاد أقول إن ما يقع فيه الفاسدون من جرائم مالية، يدل على أنهم يفتقدون مهارات التفكير العلمي، بصرف النظر عن مستوى ذكائهم أو خبراتهم أو الدرجة العلمية التي يحملونها.

ومهارة التفكير العلمي، يقصد بها أن يطبق الإنسان منهج التفكير العلمي على المواقف المختلفة في حياته، كممارسة التروي في الحكم على الأمور وتقليبها على وجوهها المختلفة للتمكن من رؤيتها من زوايا متعددة، والمقارنة بينها وبين غيرها، والتأمل في العواقب التي قد تنتج عنها، وعدم التسرع في الاندفاع مع كل ما يطرح من أفكار ومقترحات قبل الحصول على براهين تثبت جدارة الأخذ بها، وغير ذلك من النظر المتعمق في الأمور.

حين يكتسب الفرد مهارة تطبيق منهج التفكير العلمي على كل ما يصادفه من شؤون الحياة، يرى بوضوح جوانب القبح فيما يغرى به من فساد، فيرفضه عقله ويتحول الإغراء المادي إلى نفور.

كم نحن في حاجة إلى تعليم مهارات التفكير العلمي للصغار منذ سن مبكرة، ليس ليصيروا قادرين على حماية أنفسهم من الوقوع في مسالك الشر فحسب، وإنما أيضا لحماية المجتمع من كثير من الشرور الناجمة عن قصور التفكير.

azman3075@gmail.com