-A +A
هاشم عبده هاشم
•• بوفاة الأخ والصديق الأستاذ عبدالله أبو السمح تكون الصحافة السعودية فقدت قلماً قوياً.. وصادقاً.. وواضحاً.. ومباشراً.. في التعبير عن آرائه وقناعاته بشجاعة نادرة رغم مخالفة الكثيرين له فيها.

•• لقد كان أبو السمح واقعياً في طرح أفكاره والتعبير عن مواقفه تجاه قضايا حيوية.. سواء السياسي منها.. أو الاجتماعي.. أو الاقتصادي..


•• وقد أحدثت مقالاته القوية «جدلاً» واسعاً في الساحة الإعلامية لأنها غير مألوفة.. مما جعل البعض يصنفه على قاعدة «خالف تعرف».. وإن كان كما عرفته - كرئيس تحرير عن قرب - شديد الإيمان بتلك الأفكار التي طرحها من خلال هذه الصحيفة.. ووجد قبولاً لها منا ومن قراء كثيرين.. لأنها أفكار واقعية ومباشرة، وإن اتهمنا البعض بأننا نروج لتلك الأفكار ونتبناها.

•• ومن تلك الطروحات موقفه من قضية الشرق الأوسط، وسخريته مما كان يسميه بالمتاجرة بهذه القضية، ودعوته المتكررة إلى «التطبيع» مقابل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.. وهو الموقف الذي انتهت إليه الطروحات المقدمة لحل القضية عبر قيام دولتين.. تماماً كما كان يدعو إلى ذلك أبو السمح..

•• أما بالنسبة للقضايا الاجتماعية التي كان «المرحوم» كثير التعرض لها وأبلى بشأنها بلاء حسناً.. فكانت محاربته لكل مظاهر التشدد في مجتمعنا.. ودعوته إلى الانطلاق والتخلص من أغلال التقاليد والأعراف والمفاهيم التي تعطل قدرات الإنسان وتقدم البلاد.. وقد أثبت الزمن أن كل ما كان ينادي به صحيح.. وأن حياتنا تنحو الآن نحو الخلاص من تلك الأغلال.. وصولاً إلى المستقبل الأفضل.

•• والحقيقة أن أبا السمح كان يعيش حالة تصالح مع نفسه.. وانسجام مع آرائه وقناعاته.. فعبر عنها بكل صدق.. ووجد في «عكاظ» الصحيفة التي تفتح له ذراعيها وتتحمل معه أذى الآخرين..

•• وسواء وافقناه في تلك الآراء أم لم نوافقه، فإن مهمتنا كانت هي تمكينه من التعبير عن تلك الآراء واختيار المكان المناسب لعرضها في الصفحات البارزة ولا سيما الصفحة الأخيرة..

•• وكما فتحت هذه الصحيفة الباب لأبي السمح - يرحمه الله - فإنها أعطت الفرصة لعشرات الكتاب المختلفين في طرح آرائهم والتعبير عن مواقفهم.. بحيث تركنا الباب مشرعاً للجميع..

•• واليوم وقد غادرنا أبو السمح إلى الرفيق الأعلى، فإنني لابد أن أقول إن صحافتنا قد فقدت «نكهة» الصدق التي كان يتمتع بها «المرحوم»، وبساطة العرض والمباشرة في طرح الفكرة دون لف أو دوران.

•• وكم أتمنى أن يقوم أحد الباحثين بإجراء دراسة لمضمون مقالات أبي السمح.. المنشورة بهذه الصحيفة على مدى خمسة عشر عاماً أو تزيد قليلاً.. فهي في زمنها الذي كتبت فيه تعبر عن شخصية إنسان صادق مع نفسه.. ومجتمعه.. وأمته.. بل وصاحب رؤية مغايرة لما كان سائداً.. وقريباً من طبيعة الأشياء ودون أدنى «محاورة» أو «مداورة» أو توظيف.. لتحقيق مصالح خاصة.. أو مناصرة أطراف لحساب أطراف أخرى..

•• رحمك الله أيها الصديق العزيز.. رحمة الأبرار، فأنت وإن غادرتنا إلا أنك ستظل في قلوبنا وعقولنا رمزاً للصدق.. وتحرراً من كل قوالب التخلف.. وانعتاقاً من «المخاوف» و«الممنوعات» و«المحاذير» الزائفة.