-A +A
عزيزة المانع
وتعطلت لغة الكلام!

بعد أن تبخر كل حس بالإنسانية، وتلاشى كل حياء، أخذت بريطانيا تمد لسانها للعرب مستهينة بهم، تردد بكل صلف ومجون أنها تفخر بوعد بلفور، وتنوي الاحتفاء بمرور مائة عام على صدوره!


بريطانيا بتصريحها هذا ليست تعبر صراحة عن عدم مبالاتها بالمشاعر العربية فحسب، وإنما هي تقدم بطاقة دعوة فاخرة لإسرائيل لتواصل عربدتها داخل الأراضي الفلسطينية فتعيث فيها إفسادا، ناشرة مستوطناتها ذات اليمين وذات الشمال بكل تبجح.

كم هو مؤلم أن نقارن بين ما تفعله ألمانيا مع إسرائيل وما تفعله بريطانيا مع العرب، ألمانيا المتهمة بإقامة محرقة لحرق اليهود، بادرت إلى تضمين قوانينها نصا يعاقب من ينكر وقوع تلك المحرقة المزعومة، تكفيرا منها عن جرمها السابق، ابتغاء مرضاة إسرائيل وتوددا لها.

أما بريطانيا التي قطعت على نفسها عهدا بمنح اليهود أرضا لهم في فلسطين، في ما عرفه الناس بوعد بلفور، فإنها تتباهى اليوم بذلك الوعد الباغي، وتعلن بفخر عزمها على الاحتفال بمرور مائة عام على صدوره!

لا أظن أن تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا، يغيب عنها أن افتخارها بإطلاق بريطانيا وعد بلفور، وعزمها الاحتفال ببلوغه عامه المئة، فيه تكريس للاحتلال وشرعنة لسرقة الأوطان، وأنه فوق هذا يتضمن استهتارا صريحا بمشاعر العرب مما قد يعرض علاقة بريطانيا بالدول العربية للتوتر.

لا أظن أن ماي يغيب عنها التفكير في شيء من هذا، لكنها في حقيقة الأمر تدرك جيدا أن لا شيء من ذلك سيحدث، فالعالم العربي في وضعه الحالي، لم تعد القضية الفلسطينية محور اهتمامه، ولم يعد لديه فائض من القوة يصرفه للدفاع عنها، ولا حتى بمثل ما كان معتادا عليه من عبارات الشجب والإدانة، فقد بات الآن منشغلا عن ذلك بمشكلاته وقضاياه الخاصة الشديدة التعقيد، وهو ما يجعل الفضاء واسعا أمام بريطانيا، كي تتمادى في محاباة إسرائيل آمنة، مطمئنة إلى أنها لن تخسر شيئا.

محاباة إسرائيل جعلت بريطانيا، في عمى عن رؤية ما تقوم به إسرائيل من توسع في الاستيطان، وتوغل في سرقة الأراضي الفلسطينية، وحصار للشعب الفلسطيني وقتل لأطفاله وتدمير كيانه، تفعل كل ذلك بصلف وتعال، غير مبالية بانتهاكها الصريح لكل الأعراف السياسية والحقوق الإنسانية.