-A +A
طلال صالح بنان
هناك ما يشبه الحملة العالمية الممنهجة، لمواجهة ما يطلق عليه التطرّف الإسلامي. حتى بين المسلمين والعرب هناك مَنْ يقر بذلك، لدرجة الاقتراب، بوعي أو بدون وعي، من المساومة على الإسلام كدين.. وعقيدة، ومصير أمة!؟ حتى أن بعض «الأعراب المسلمين»، ذهب إلى اتهام 1.5 مليار مسلم بالإرهاب.. والتآمر على سلام العالم وأمنه، ومصير البشرية على كوكب الأرض!

المشكلة هنا: ليس في إنكار وجود التطرّف في فكر وحركة بعض المسلمين، كحال وجوده في أي جماعة إنسانية.. تعتنق ديناً.. أو تروج لأيديولوجية.. أو تتعصب لقومية، أو تتعنصر عرقياً. المشكلة تكمن في هذا التحريض الممنهج على الإسلام والمسلمين، في الغرب، بالزعم: أن الإسلام حصرياً من بين ديانات أمم الأرض يدعو للتطرف.. ويحرض على العنف، ويتبنى الإرهاب!


تُرى، منذ ظهر الإسلام إلى يومنا هذا، هل هناك شواهد تشير: أن الإسلام دين عنف أو إرهاب أو إكراه أو استبداد أو ظلم. هل حدث أن الفاتحين العرب أكرهوا شعوب البلدان، التي فتحوها، على ترك دياناتهم والتنكر لثقافاتهم والاعتداء على ممتلكاتهم وحرق زروعهم وسلب ضروعهم واستحياء نسائهم واستعباد رجالهم وقتل أطفالهم وشيوخهم. لم يذكر التاريخ أن العرب الفاتحين الأوائل هدموا كنيسةً.. أو أحرقوا بَيْعَةً.. أو قوضوا معبداً، أو أحالوا الأنهار حمراء قانية من دماء البشر ومداد الكتب.

حديثاً: خلال المئة السنة الأخيرة، نشبت حربان عالميتان لم يكن لا للعرب ولا للمسلمين ناقة فيها ولا جمل، بل كانوا من بين ضحاياهما وعانوا من توابع زلزالهما إلى اليوم. راح ضحية تينك الحربين الكونيتين أكثر من مئة مليون من البشر، أتت على كل شكل من أشكال الحياة والحضارة في الجزء الشمالي القديم من نصف الكرة الأرضية (شمال مدار السرطان). ثم من هو ذَا الذي أنهى الحرب الكونية الثانية على جبهة الباسفيك، باستخدام أعتى سلاح إبادة اخترعه البشر، مدفوعاً بالرغبة في الهيمنة على العالم ليخضعه لسيادة الغرب وثقافته، وربما لديانته بالرغم من مزاعم ليبراليته. أين ما أندى به من عار جبين الإنسانية، زعماء غرب (مسيحيين) من أمثال: ترومان وهتلر وموسيليني وستالين ونابليون وريتشارد قلب الأسد، من نبلِ وتحضُرِ وفروسية، قادة عرب ومسلمين، من أمثال: خالد بن الوليد وصلاح الدين ومحمد الفاتح والمظفر قطز وعقبة بن نافع وموسى بن نصير.

ثم لهؤلاء الذين قالوا إن العرب فتحوا البلدان ونشروا الإسلام وفرضوا اللغة العربية بحد السيف. فرية، للأسف، يرددها كالبغبغاوات بعض المسلمين من الأعراب. ألا يعلم هؤلاء أن مصر أخذ من حكم الإسلام فيها أجيالاً عديدة حتى يعتنق أهلها الإسلام ويتكلم القبط فيها بلسان العرب المبين، لتصبح العربية لغة أداء صلواتهم وتلاوة ترانيمهم وقراءة إنجيلهم والقيام بشعائر نسكهم، لتصير مصر بمسلميها وقبطها، ليست فقط كنانة الله في الأرض، بل حصن الإسلام المنيع.. وثغر العروبة الحصين، غرب شبه جزيرة العرب، حتى قيام الساعة، إن شاء الله.

ليست كل البلدان التي فتحها العرب والمسلمون، انتهى بهم الأمر ليكونوا مسلمين وعرباً. الفرس والأتراك والكرد والهنود والصينيون والقوقاز وشعوب آسيا الوسطى وشعوب جنوب الصحراء دخلوا الإسلام أفواجاً، ولم يكرههم العرب المسلمون على تغيير ثقافتهم أو التواصل بلغة الضاد. ثم هل الإسلام انتشر في الجزر الإندونيسية وبين شعوب الهند الصينية والفلبين وماليزيا وتايلند وبورما، بحد السيف.. وأُجْبِرَ أهلها على ترك ثقافتهم ولغتهم.

الإسلام جاء بالاعتدال والوسطية بين بني البشر، ولم يكن أبداً دين عنف، حتى يوصف ومعتنقوه حصرياً بالإرهاب. الإسلام دين رحمة وحب وسلام يتكامل مع فطرة الإنسان السليمة، التي تتقبله بإرادتها الحرة، دون إكراه (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) «يونس 99». إذا كانت الحرية الدينية مكفولة في الإسلام من باب أولى أن يدافع الإسلام عن حريات البشر وحقوقهم، سواء كانت سياسية أو فكرية أو غير ذلك. الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان، كونه بشرا، وفضله على كثير من خلقه (ولقد كرمنا بني آدم... وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) «الإسراء 70».

ليس هناك إسلام متطرف... هناك تفسير متطرف للإسلام، عادة ما يوجده أعداء الإسلام للكيد للإسلام والمسلمين. الاسلام المتطرف أسطورة لا وجود لها، يخلق منها أعداء الإسلام والسلام والحريّة «فزاعة» لضمان سيطرتهم على مقدرات البشر.. ويجعل منها ستاراً لدعم أنظمة حكم تستند في شرعيتها على زعم محاربة ما يسمى الإرهاب، لتكريس استبدادها.. واستمراء ابتزازها، وضمان عمالتها.

أعداء الإسلام يريدون إسلام طقوس وليس إسلام سلوك وإرادة. إنهم يريدون أن يفرغوا الإسلام من رسالته الخالدة في عمارة الكون.. وإنارة العقول.. وطهارة القلوب.. وهدي البشرية، إلى قيم الحرية الحقة والعدالة والمساواة. إنهم يريدون إسلاماً يرضخ للاحتلال.. ويساوم على المقدسات، وتكريس فساد العقيدة وخراب الذمم. إنهم لا يريدون إسلاماً متسامحاً معتدلاً قوي الحجة.. سليم المنطق.. منسجماً مع فطرة الإنسان السوية. أعداء الإسلام يخشون الإسلام لأنه بتسامحه واعتداله ووسطيته ورحمته وقيمه وأخلاقياته وإنسانيته أخذ يغزو مجتمعاتهم، التي تنهشها رأسمالية متوحشة.. وتحكمها قيم مادية أكثر شراسة وقسوة، تحت ستار من «ليبرالية» مزيفة.. و«حرية» حسية، تجرد الإنسان من كرامته وتسلبه إنسانيته.

الإسلام بخلود رسالته معتدلاً.. وبتسامح ثقافة أمته وسطياً.