-A +A
عزيزة المانع
هناك في ثقافة المجتمع أمور كثيرة يقرها الناس، ليس بناء على اختيار منهم ولا رؤية لفضلها، وإنما لمجرد أنهم نشأوا وهم يرونها تُمارس أمام أعينهم فصارت بالنسبة لهم مألوفة، ومن طبيعة الألفة أنها تبعث على الارتياح، وتجعل الأشياء تبدو لنا طبيعية فلا نرى ما فيها من عيوب ومساوئ.

وربما هذا ما يجعل كثيرا من الناس، متى طرحت أمامهم فكرة جديدة مغايرة لما ألفوه واعتادوا عليه، يكون رد فعلهم المباشر الرفض لها، والتعبير عن كراهيتها وتوجس الشر منها، ليس هذا فحسب، بل يأخذون في الثناء على ما ألفوه ويستميتون في الدفاع عنه لا يرون فيه إلاّ خيراً، مهما قيل عنه من سيئات.


فرغم أن التغيير سنة الحياة، وأن التكيف بحسب ما يتوافق مع التغيرات المعاصرة هو أمر مطلوب، إلا أن بعض الناس ما زالوا غير مؤمنين بهذا، لذلك كلما طرح مقترح للتغيير والسير في وجهة جديدة مختلفة، غير ما هو مألوف ومعتاد، وقفوا معترضين في الطريق وتسببوا في حدوث جدل طويل وأخذ ورد حول ما هو مطروح من بدائل، وجعلوها موضع خلاف كبير وتنازع بينهم، وقد يصل حد إعلان العداء بين الأطراف المتنازعة حتى يبلغ تقاذف الاتهامات والشتائم.

في بعض الأحيان يطول ذلك النزاع ويتشعب ويتفرع وربما تطايرت شراراته بعيدا لتبلغ جهات قصية خارج المملكة، فما يلبث أن يدخل على خط الخلاف آخرون متطفلون من مناطق أجنبية لا ناقة لهم في الأمر ولا جمل، فيزداد الأمر تعقيدا ويكبر الضجيج حوله أكثر وأكثر.

ثم يتدخل أهل الحل والعقد ممن بيدهم الصلاحية، فيقرون من المواضيع المتنازع حولها ما يرونه محققا المصلحة العامة. وآنذاك سرعان ما تخمد شعلة الخلاف، ويأخذ جمرها المتقد بالانطفاء شيئا فشيئا، حتى إذا ما تحول الجمر إلى رماد، بدا الأمر الذي كان مكروها لدى معارضيه، شيئا صوابا وحقا مبتغى، بل قد يصير بالنسبة لبعضهم أمرا مطلوبا.

ولدينا أمثلة كثيرة على هذا مثل تعليم المرأة، وخروجها للعمل، وقيادتها السيارة، ونظام التحرش، وكذلك في أمور أخرى عامة لا علاقة لها بالمرأة مثل الاحتفال باليوم الوطني، وتغيير يومي الإجازة الأسبوعية من الخميس والجمعة، إلى الجمعة والسبت، وقبلها تغيير التوقيت من الغروبي إلى الزوالي، وغير ذلك.

تذكرت هذا وأنا أتابع ما يجري من خلاف في مجلس الشورى حول المطالبة بإقرار المجلس توصية تمنع زواج الصغيرات قبل سن الخامسة عشرة، وتقييده ببعض الشروط لمن هن بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة، وما يجري أيضا من تحفظات كبيرة حول دعم مطالبات النساء بمنحهن حق الولاية على أنفسهن، باعتباره حقا مؤصلا لهن في الشريعة الإسلامية، ولما في حجبه عنهن من تعدٍّ على ذلك الحق من جهة، واتهام غير مباشر لهن بعدم الأهلية للتولي على ذواتهن، من جهة أخرى.

هاتان القضيتان اللتان باتتا تشغلان المهتمين بتمكين المرأة وتحسين أوضاع الأسرة والطفولة، ما أراهما سوى نموذج لما سبقهما من قضايا حلت بالتدخل الحاسم من ذوي الشأن.

azman3075@gmail.com