-A +A
محمد الساعد
السعودية تقدم اليوم الفرصة الوحيدة لهذا الشرق البائس المليء بالدمار والخراب والحروب الأهلية، بسبب عرابي الإرهاب والحزبيين والمتطرفين، للعبور من أرض الموت إلى أرض الحياة.

مشروع «نيوم» الذي دشنه محمد بن سلمان أمير الاقتصاد والتنمية، ليس إلا عربة في قطار الشرق السريع الذي دشنته الرياض منذ العام 2015 للخروج من نفق «الخريف العربي» وتداعياته، عبر التنمية المستدامة والإنتاج والمال الوفير والوظائف المتاحة.


الرياض بمشاريعها الحديثة تقدم للعالم التقنية والتكنولوجيا بدلا من البندقية والحزام الناسف، ولذلك فمشاريعها هي في الأغلب شراكات مع الجيران الجديين، وهو ما نشهده بشكل موسع مع مصر والعراق والأردن والإمارات العربية المتحدة، أو مع الاقتصادات العظمى – الصين، اليابان، كوريا، أمريكا، روسيا - التي يحتاجها الإقليم للنهوض بدلا من التعثر والتزاحم على الهبات والمشاريع الدولية.

لماذا تفعل السعودية كل هذا؟، لماذا لم تستلق على جنبها وتضع يدها على خدها، وتنتظر فرج الله وتعافي أسعار النفط؟، وهو أمر واقع لا محالة خلال السنوات القادمة، ففي النهاية هي دورة اقتصادية، وحتما ستعود الطفرة.

لماذا لا تقوم بحزمة من الإجراءات لضبط الإنفاق وشد الحزام؟، إلى أن تعود أسعار النفط الى ما فوق الثمانين دولارا ليعود إنفاق الدولة كما كان وتمتلئ الخزينة بالعملات الصعبة، ونبدأ في تنفيذ مشاريع البلديات غير المدروسة، ثم نبدأ في معالجة المتعثر منها، ثم نبحث عن مقاولين قادرين على تنفيذ الفاشل منها، إلى أن تستنزف الخزينة وتنخفض الأسعار من جديد ونصاب بالهلع ونشارف على الإفلاس، ثم نشد الحزام لننتظر انفراج السوق، وكأننا أصحاب دكان في حارة النفط نضع حياتنا وأقدارنا في يد المشتري ومزاج الاقتصاد العالمي.

في الحقيقة أن ما سبق يمكن أن يكون خيارا مقبولا؛ فالسعودية واحدة من الدول الكبرى في احتياطات وإنتاج الطاقة، وبالتالي يمكنها أن تبرمج نفسها واقتصادها وشعبها على هذه الخضات التي خبرناها من منتصف الخمسينات وحتى اليوم.

ما تغير هو أننا أمام «دولة سعودية» جديدة لا تقبل أن تبقى أسيرة لإدمان أسواق النفط ومزاجيتها.

الأمير محمد بن سلمان أدرك ذلك مبكرا، ما يقوله الأمير اليوم ليس وليد اللحظة ولا ردات فعل أمام انهيار مداخيل الموازنة العامة للدولة، فقد سمعته منه أنا شخصيا العام 2015، وغيري الكثير ممن التقوا بالأمير في مناسبات عدة، إنه مشروع دولة سعودية رابعة للمئة عام القادمة.

الأمير محمد بن سلمان يعلم يقينا أن تغيير وجه السعودية كاملا – اجتماعيا واقتصاديا وتعليميا ومعرفيا - هو الخيار الوحيد والفرصة العظمى للانتقال من دولة رعوية إلى دولة غنية تأكل مما تنتج وتصنع، لا تأكل مما تبيعه من النفط والغاز.

اليوم يبني محمد بن سلمان سورا تجاريا عظيما يبدأ من بكين ولا ينتهي في تبوك عاصمة مشروع «نيوم»، لا نتحدث هنا عن المشروع الذي دشن حلمه قبل يومين، بل نتحدث عن حزمة من المكائن والمشاريع العملاقة التي يتوقع لها أن تحمل السعودية إلى مصاف الدول الأكثر غنى في العالم.

كيف بدأت الحكاية..

كل ما في الأمر هو استكشاف مقومات البلاد التي لم يطرقها أحد من قبل، إنها الأفكار العبقرية والاستفادة القصوى من الطاقات بأقل تكلفة.

أولا: الموقع الإستراتيجي الذي هو هبة الله لنا الذي جعلها منذ القدم مسار عبور للتجارة الدولية، فطريق البخور، وطريق الإيلاف، وطريق الحرير، كلها مرت كليا أو جزئيا من الجزيرة العربية.

ثانيا: الشواطئ والمضائق التي إما تشرف عليها السعودية أو قريبة منها، وهو ما يعطي أي حركة تجارية مرونة إعادة التصنيع والتخزين والتصدير.

ثالثا: الطاقة البشرية فالسعودية معظم شعبها من الشباب، بل إن أكثر من 80% هم أقل من 40 سنة، و60% أقل من 30 سنة، ما يعني وظائف وكوادر جاهزة للعمل.

رابعا: سعودية معتدلة تقدم الفرص والاقتصاد والسلام والأمن والحياة الرغيدة، في منطقة مشتعلة تم تدميرها على أيدي دول تدعم الإرهاب والتطرف والحروب الأهلية.

خامسا: المكانة العالمية للسعودية كزعيمة للعالم الإسلامي تدعم الدين الوسطي المحارب للتطرف والإرهاب هو ما يبحث عنه العالم في وسط هذا الركام والاختناقات من الخلافات.

لا شك أننا نشهد في هذه اللحظات ولادة مشروع نهضة تقوده الرياض، ومن يصعد في قطار الرياض سيكون شريكا في هذا الحلم، ومن يعادي أو يرفض فهو خياره وعليه أن يدفع ثمنه من جيبه هو.

m.assaaed@gmail.com