-A +A
عزيزة المانع
في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل جاء تعريف الطفل بأنه (كل من لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر). وقد تبنت هذا التحديد لسن الطفولة كل الدول التي وقعت على تلك الاتفاقية، فصارت تسن أنظمتها التي تحفظ حقوق الطفل وتحدد كيفية التعامل معه، بما يتفق مع ذلك التحديد العالمي لسن الطفولة.

ولأن المملكة هي إحدى الدول الموقعة على تلك الاتفاقية، فإنها اعتمدت ذلك التحديد الزمني لمرحلة الطفولة في جميع أنظمتها المدنية، كأنظمة النيابة العامة، ونظام حماية الطفل، ونظام منح الجنسية، ونظام العمل. أما في أنظمة القضاء الشرعية، فإنها ما زالت تعتمد البلوغ حدا لانتهاء مرحلة الطفولة.


وهذا الاختلاف في تحديد سن الطفولة ما بين الأنظمة القضائية والمدنية، تنتج عنه إشكالات كثيرة تترتب عليها نتائج خطيرة، منها حدوث تعارض بين الأحكام الشرعية الصادرة بحق من هم في الثامن عشرة وما دون، وما هو مذكور في أنظمة النيابة العامة ونظام حماية الطفل وغيرها من الأنظمة المدنية، وهو ما يجعل المملكة تظهر أمام المجتمع الدولي، كما لو أنها غير جادة فيما توقع عليه من اتفاقيات.

إضافة إلى أن ربط انتهاء سن الطفولة بمرحلة البلوغ، فيه عدم عدالة في التعامل مع الأطفال، فالصغار لا يصلون مرحلة البلوغ في سن موحدة، بعضهم يصلها في سن مبكرة جدا، وبعضهم يتأخر أكثر في بلوغها، وحين تصدر الأحكام وفقا لمعيار البلوغ، فإن الصغار الذين وصلوا مرحلة البلوغ مبكرا قد تصدر عليهم أحكام أغلظ من الأطفال الآخرين الذين لم يصلوا مرحلة البلوغ، حتى وإن كانوا أكبر سنا منهم.

بعض الفتيات يصلن مرحلة البلوغ في سن العاشرة، وبعضهن يتأخرن إلى الرابع عشرة أو الخامس عشرة، وكذلك الذكور، والتعامل مع الصغار على أنهم (راشدون) وهم لما يزالوا في سن صغيرة، فيه قسوة عليهم، فجميع الدراسات الفسيولوجية والسيكولوجية تشير إلى أن النمو الجسدي والانفعالي والإدراكي، لا يكتمل لدى الإنسان قبل الثامنة عشرة، وهي السن التي اختارتها المنظمات العالمية لتحديد سن الرشد لدى الفرد.

إن هذه القضية تحتاج أن تطرح على هيئة كبار العلماء لدراستها وإصدار فتوى تحدد سن الطفولة بما يتفق مع ظروف العصر ومعاييره؛ ففي هذا الزمان لا يعد البلوغ معيارا للنضج الإدراكي والمعرفي، ومن المصلحة إعادة النظر في المعايير التي تحدد انتهاء مرحلة الطفولة بالبلوغ، خاصة أن القرآن الكريم لم يحدد لبلوغ الرشد سنا معينة، وإنما تركها مفتوحة لتتوافق مع ما يسود في العرف العام للمجتمعات في كل زمان.

azman3075@gmail.com