أحد سكان الطائف يتحدث لمحرر «عكاظ».
أحد سكان الطائف يتحدث لمحرر «عكاظ».
IMG_8356
IMG_8356
IMG_8357
IMG_8357
IMG_8358
IMG_8358
تجاور بين الحديث والقديم من مباني الطائف.
تجاور بين الحديث والقديم من مباني الطائف.
IMG_8361
IMG_8361
IMG_8363
IMG_8363
المؤرخ القصير يتحدث لـ«عكاظ».  ((1))
المؤرخ القصير يتحدث لـ«عكاظ». ((1))
جولة «عكاظ» في المنطقة التاريخية.
جولة «عكاظ» في المنطقة التاريخية.
IMG_8367
IMG_8367
" data-responsive="https://www.okaz.com.sa/uploads/images/2017/10/22/554712.jpg" data-src="https://www.okaz.com.sa/uploads/images/2017/10/22/554712.jpg"> فعاليات الاحتفال باليوم الوطني التي نظمتها أمانة الطائف أخيرا.
فعاليات الاحتفال باليوم الوطني التي نظمتها أمانة الطائف أخيرا. "2"
" data-responsive="https://www.okaz.com.sa/uploads/images/2017/10/22/554713.jpg" data-src="https://www.okaz.com.sa/uploads/images/2017/10/22/554713.jpg"> سياح أجانب في زيارة لمعالم المنطقة.
سياح أجانب في زيارة لمعالم المنطقة. "3"
" data-responsive="https://www.okaz.com.sa/uploads/images/2017/10/22/554714.jpg" data-src="https://www.okaz.com.sa/uploads/images/2017/10/22/554714.jpg"> قنوات فضائية حضرت للتصوير
قنوات فضائية حضرت للتصوير "4"
-A +A
عبدالكريم الذيابي (الطائف)
كل شيء من حولك في تلك الدائرة الصغيرة يصورها لك وكأنها حلبة صراع بين القديم والجديد، فحين تطلق حبال النظر يمينا ويسارا لا ترى سوى بيوت لا تتجاوز أصابع اليد من الطين الخالص يكسوها التهالك، وتسكنها القطط، وروائح النفايات تنبعث من كل اتجاه من خلف أبوابها الموصدة. في جانب آخر، عمائر من الأسمنت والحديد، صبغت وجوهها بالمساحيق الجديدة، بلون التراب، ورائحة الدهان الخادع للأبصار، تبرز بينها بنايات الخرسانة والصلب الخالصة بكل أنفة وكبرياء، بعدما شدت قواعدها لباطن الأرض، وأطلق العنان لرؤوسها كي تجاور السحاب. ألواح الألمونيوم المعروفة بـ«الكلادينغ» وواجهات الزجاج هي الأخرى هبّت لتأخذ حيزا لها من هذا الصراع، ليكون المشهد عبارة عن متنافرات عديدة داخل إطار «الطائف».

بأي ثبوتات يمكن لمنطقة الطائف التاريخية أن تبعث بملفها ومسوغاته ومشفوعاته، لتطالب فيه بالتسجيل في اليونسكو، كأي مدينة تاريخية حافظت على هويتها ومبانيها، وحازت أحقية الاعتراف؟


دلفت «عكاظ» لإعداد جولتها الميدانية برفقة مؤرخ الطائف عيسى القصير، والوقوف معه على ما تبقى من تاريخ وتراث وهوية عمرانية، وإيجاد الإجابة على السؤال أعلاه.

منظر محزن

تناولنا الشاي في «براريد» صغيرة تعرف بـ«أبو ريالين وأربعة» كما يطلق عليها زبائنها حين ينادون بائعيها لإعدادها لهم، وفي بعض الأحيان يضاف إليها النعناع أو الحبق الطائفي الذي يضفي لها طعما آخر مع لونها الداكن نوعا ما.

اتجهنا بعد ذلك شمالا عن مسجد العباس، وكان المنظر المحزن لأحد المباني التاريخية المسقوفة بالخشب والطين وقد تحول محيطها لمردم نفايات وقطط جائلة تطلق أصواتها راكضة خلف قطع الخبز والأرز المتناثر دون حياة في المبنى، بعد إزالة البنايات المجاورة لتلك الأطلال وإنشاء عمائر خرسانية لعدة أدوار، ليكون التعجب حاضرا من التوليفة المجنونة!

انتفاضة جادة

من جهته، أشار المؤرخ القصير على مضض إلى أن ما فقد من تاريخ الطائف جراء الإهمال يتجاوز 70 %‏، مطالبا بضرورة الانتفاضة

الجادة للحفاظ على ما تبقى. وحين سؤاله هل يمكن أن تلحق «تاريخية» الطائف بركب المدن التي سبقتها في التسجيل باليونيسكو، صمت وأمعن النظر إلى البيوت الجديدة والبلاط من الجرانيت وواجهات الديكور والإكسسوارات التجميلية، وأجاب: للأسف يبدو الأمر صعبا، فتاريخية جدة مثلا وجدت تضافرا من المسؤولين وملاك مبانيها لذلك استحقوا التسجيل والاعتراف، واستمر الاهتمام لإقامة فعاليات متلاحقة تربط الأجيال بالموروث وتغرس في ذاكرة النشء تاريخه المضيء، بينما كانت العناية هنا ضعيفة فتباعدت الخطى وتجلى الفارق بين الحالتين.

الترميم بالحجر

وأثنى القصير على الفعاليات التي احتضنتها أمانة الطائف خلال الاحتفال باليوم الوطني الفائت، وتحديدا وسط السوق القديم من أعلام وإضاءات بعد انقطاع لأكثر من ثلاثة عقود، لافتا إلى ضرورة أن تضاعف الأمانة أعمال العناية والنظافة والصيانة، وتعكف على إعداد دراسة جادة للانضمام إلى اليونسكو، وأن يكون ترميم الواجهات بالحجر والمواد الشعبية بعيدا عن صبغ البويات والديكورات التي لا تتوافق مع الهوية التاريخية، وأن تعاد لمنطقة السوق فعاليات الموروث الشعبي بين الفينة والأخرى، وجلب معدات لغسل الأرضيات والبلاط لتظهر منطقة السوق برونق جميل. ولفت القصير إلى أن هوية وسط البلد التاريخية بدأت تتآكل وتقوم فيها أعمال الهدم من 1380هـ واستمرت حتى 1418هـ حين أزيل فيه بيت الملطاني وهو من المعالم التاريخية، مبينا أن هذه المنطقة تعتبر وجهة سياحية تستوجب مزيدا من الرعاية والصيانة بشكل مستمر، مثنيا على اهتمام الرئيس العام لهيئة السياحة والتراث الوطني الأمير سلطان بن سلمان من خلال إقرار مشروع التطوير الذي تم الانتهاء منه، وبدئ العمل فيه قبل ستة أعوام وكلف نحو 141 مليون ريال.

قيمة تاريخية

في سياق متصل، صادفت جولة «عكاظ» وفودا أجنبية دلفت إلى منطقة السوق في رحلة استكشاف واستطلاع والتقاط صور، بينما كانت إحدى القنوات الفضائية تعد شيئا ما عن المنطقة، التي تتميز بالأسواق القديمة المشهورة ببيع العسل، والسمن، والبيض البلدي، والجنابي، والسيوف، والمشغولات القديمة، والمأكولات الشعبية، والتمر، إضافة للأسواق الجديدة، وفيها يعرض كل ما يستدعي اهتمام الزبائن من مستلزمات، وفي ممراتها القديمة الضيقة ومنعطفات طرقها القصيرة، يستشعر الزائر القيمة التاريخية والأجواء الجاذبة لمزيد من التسوق والترفيه، فتشاهد كبار السن أمام أبواب محلاتهم الصغيرة يتجاذبون الحديث وينهمكون في تجارتهم حتى أذان الظهر لينصرفوا إلى منازلهم ويعودوا عصرا، فيما عربات التحميل الكثيرة يدفع بها كبار سن عصبوا رؤوسهم بـ«الغتر» يتنافسون مع الفتيان في مهنة التحميل.

من جانبهم، طالب مواطنون بضرورة حفظ ماء وجه ما تبقى من تاريخ للطائف وعدم السماح بأعمال الهدم. وقال سلطان الحارثي وعبدالله المالكي إن الأمانة تتحمل مسؤولية أي تغاض في تصاريح البناء وتطبيق اشتراطات هذه المنطقة تحديدا، وبالفعل يكفي إهمالا.

مشروع سياحي

تحظى منطقة الطائف التاريخية باهتمام الرئيس العام لهيئة السياحة والتراث الوطني الأمير سلطان بن سلمان، الذي يحرص دائما على زيارتها، إذ انبثقت فكرة مشروع التطوير، من جولة له برفقة أمين الطائف السابق المهندس محمد المخرج، لاستعادة هويتها والعمل على تطويرها، وبالفعل قدمت الدراسات للمشروع في عام 2010 وأقر بميزانية تصل إلى 141 مليونا، على أربع مراحل، من خلال إنشاء شبكة خدمات أرضية للهاتف والمياه والكهرباء، وواجه صعوبات في هذه المرحلة لحساسية الحفر والنقل وتفادي انقطاع الخدمات عن المنطقة، ثم أعمال البلاط وتوحيد واجهات المحلات والجلسات ودورات المياه والإنارة والبوابات التاريخية التي بنيت من جديد كالريع وبوابة الحزم والعباس، كما أن الكثير من ملاك هذه المباني لم يتقيد بتوحيد الطلاء، إذ تكتسي واجهاتها بالكلادينغ والزجاج متعدد الألوان.

لجنة تدقيق

وكشف لـ«عكاظ» أمين الطائف المهندس محمد بن هميل أن لدى الأمانة لجنة فنيّة تدقق أي تصاريح بناء لمبانٍ جديدة وترفض ما يتعارض مع هوية الطائف العمرانية في هذه المنطقة تحديدا وترشد وتوجه وتحث ملاك المباني القديمة على الالتزام بما يحافظ على الهوية العمرانية، مؤكدا أن أي مبنى شاذ عن روح الهوية العمرانية يرفض فسح البناء له ولو كان في خارج حدود هذه المنطقة. وفي ما يخص البنايات التاريخية داخل منطقة قلب الطائف لا يوجد أي تصاريح جديدة لبناء جديد.

وزاد ابن هميل: الأمانة مستمرة في إلزام الملاك الحاليين بتغيير واجهات المباني بما يتماشي مع الهوية التاريخية، لافتا إلى أن واجهات الزجاج والبلكونات لا تعبّر بأي شكل عن روح المنطقة، مثنيا على اهتمام وحرص الأمير سلطان بن سلمان بمشروع تطوير المنطقة التاريخية وعدم تغيير هويتها في ما تبقى من عمران وتراث قديم.