-A +A
خلف الحربي
منذ أن اتخذت الدول الأربع (السعودية، الإمارات، البحرين ومصر) قرارها الحازم بقطع كافة أشكال العلاقات مع قطر وأنا أشعر بتعاطف شديد مع تلك الأصوات التي تعتقد بأن هذه الأزمة سوف تستمر لبضعة أسابيع أو بالكثير عدة أشهر ثم ينتهي الأمر بـ(حب الخشوم) وتعود مياه الخليج إلى مجاريها وكأن شيئا لم يحدث.

وأظن أن أغلب هذه الأصوات تنطلق من منطلقات عاطفية أكثر من كونها قريبة من الواقع، فخوف الناس على مستقبل مجلس التعاون وحرصهم على العلاقة الوثيقة بين شعوب الخليج يدفعهم لهذه النظرة الحالمة التي سوف تبددها الأيام، فالواقع السياسي تصنعه مجريات الأحداث وليست الأحلام النبيلة.


في رأيي أنه حتى هذه اللحظة وما لم يحدث أمر جلل يغير مسار الأحداث فإن الواقع السياسي يقول بأن مقاطعة قطر سوف تستمر لثلاث أو خمس سنوات أو ربما أكثر، ومن المستبعد أن تؤدي هذه المقاطعة الطويلة إلى انهيار مجلس التعاون كما يتخيل البعض، وإن كانت ستلقي بآثارها السلبية على مسيرة المجلس دون شك.

فليس من المعقول أن تطلب السعودية من الشركات إلغاء عقودها في قطر أو تطلب من الموظفين السعوديين في قطر ترك وظائفهم ثم تأتي بعد عدة أسابيع أو عدة أشهر وتطلب منهم العودة إلى أعمالهم الأولى لأنها ببساطة تصالحت مع قطر، هذا مثال واحد من عشرات الأمثلة للإجراءات (القوية) والحاسمة التي اتخذتها الدول الأربع بحق قطر، وهي إجراءات لا يمكن أن تكون قد اتخذت في لحظة غضب بحيث يسهل محوها كلها في فترة وجيزة.

أما الأمر المحلي الذي يشجع الدول الأربع على الاستمرار في خيار المقاطعة ما دامت قطر مستمرة في سياستها العدائية هو أن هذه الدول الأربع قد شهدت على الصعيد الداخلي انحسارا واضحا في العمليات الإرهابية وتراجعا كبيرا في حدة الاحتقانات الداخلية التي كانت تعرقل كل خطوة إلى الأمام يمكن أن تتخذها أي دولة من هذه الدول.

أما على الصعيد الإقليمي الذي يؤثر دون شك على مستقبل الدول الأربع، فإنه بعد المقاطعة نجحت مصر في تحقيق المصالحة الفلسطينية بعيدا عن الأدوار السلبية لقطر وإيران، ولا يخفى على عاقل أن وحدة الفلسطينيين هي السبيل الأول لحل قضيتهم العادلة، حيث يستحيل أن يستعيد الفلسطينيون حقوقهم المشروعة وهم يتناحرون فيما بينهم، وكذلك الأمر بالنسبة للعراق الذي تخلص من داعش وليبيا التي بدأت تتعافى من شبح الإرهاب الذي كان يطحنها ويطحن مصر، ولا أستبعد أبدا حل المشكلة اليمنية المعقدة مع استمرار المقاطعة، لأن دول التحالف العربي بإمكانها مواجهة الحوثيين وحلفائهم الإيرانيين في العلن ولكن لا يمكنها مواجهة الضرر الناتج عن التدخلات القطرية ما دامت قطر في صفوف هذا التحالف شكليا.

وقد يظن بعض قراء هذا المقال أنني قد أكون سعيدا باستمرار المقاطعة لعدة سنوات وهذا غير صحيح، فأنا في أول الأمر وآخره مواطن خليجي وأي ضرر يصيب العلاقات الخليجية الأخوية التي تربينا عليها منذ الصغر سوف ينعكس علي مباشرة بطريقة أو بأخرى، وما هو أهم من ذلك أن أهل قطر أهلنا وأبناء عمومتنا ويشق علينا فراقهم ولكنني لا أعتقد أن مهمة الكاتب بيع الأوهام التي تريح القرّاء بل نقل الواقع كما يراه وكما يتصوره، والواقع يقول إن المصالحة مع قطر في ظل الظروف الحالية تبدو بعيدة المنال مهما حاول المتفائلون تهوين الأمر.