-A +A
بشرى فيصل السباعي
بحق يهولني باستمرار انعدام احتكامنا إلى العلم ونتائج دراساته ونظرياته وبخاصة في القضايا الكبرى الخطيرة، وأبرز مثال على هذه الكارثة في السلوك الجماعي هي قضية التحرش الجنسي، والتي الصادم الأكبر فيها أن أشد المعارضين لفرض قوانين لمنع التحرش هم من يزعمون أن دافعهم حفظ فضيلة الناس! بينما الحقيقة أن دوافعهم لا واعية وتتعلق فقط بفرض سيطرة عصبيتهم الجنسية وقناعاتها الشعبية، أما رأي العلم الحديث وعدد لا يحصى من الدراسات النفسية والسلوكية والاجتماعية سواء على عموم المجتمع أو على المجرمين المدانين بقضايا التحرش والاغتصاب والذين درسهم بشكل مفصل العلماء المتخصصون بالسلوك الجنائي فكانت النتيجة في بادئ الأمر مفاجأة للعلماء لأنها تخالف الافتراضات التقليدية عن أن الدافع للتحرش والاغتصاب هو إحساس المجرم بالإثارة الفاحشة وهذه القناعة الشعبية هي وراء الموقف التقليدي اللاواعي بلوم ضحية التحرش والاغتصاب بزعم أنه لا بد أن يكون قد بدر منها ما أثار تهيج شهوة المجرم وأفقده السيطرة على نفسه، لكن الدراسات العلمية والميدانية توصلت لأن إرادة إشباع الشهوة الجنسية ليست هي الدافع وراء التحرش والاغتصاب إنما الدافع الحقيقي وراءه هو إرادة المتحرش والمغتصب إشباع غرور الأنا بالإحساس بالقوة النرجسية المستعلية بفرض هيمنة سطوته الجنسية على الضحايا بالتحرش والاغتصاب، ليرسخ بذلك خضوع ودونية الضحايا بالمقارنة معه، ومما يثبت صحة هذه الدراسات؛ أن أعلى المجتمعات بالتحرش والاغتصاب هي المحافظة والشرقية، وتحديدا دولا إسلامية والهند، رغم أن النساء فيها هن الأكثر حشمة وتسترا، لكن تسودها ثقافة فرض الهيمنة الذكورية ودونية المرأة، والتحرش والاغتصاب وسيلة الذكور لفرض هيمنتهم وتأكيد دونية النساء، وتزداد تلك الرغبة مع زيادة نجاحات وحقوق المرأة مما يثبت عمليا أنهن لسن جنسا أدنى بقدراته العقلية والعملية، لكن غرور الأنا الذكوري يريد الإبقاء على وهم الفوقية بالتصرف كما ولو أن له الحق بالتسلط على الأناث لإخضاعهن بالأذية الجنسية ولترهيبهن عن أخذ مكانهن المستحق بالشأن العام بإشهار سلاح التحرش بوجوههن، وهذا يفسر لماذا يمتنعون عن التحرش بمن يرون أنهن ما زلن بمكانتهن الدونية كالنساء التقليديات ويستهدفون من يرونهن خرجن عن قالب المكانة الدونية، بينما أقل المجتمعات بجرائم التحرش والاغتصاب هي الدول الاسكندنافية رغم أنها الأقل تدينا واحتشاما، والسبب أنه تسودها ثقافة مساواة لا تفترض أن للذكور خاصية فوقية، والنساء يفترض أن يكن بمكانة دونية خاضعة تابعة، مع قوانين مشددة تعزز هذه الثقافة، أما التحرش بالأطفال فهو انحراف له أسباب مرضية أخرى.