-A +A
واس (القاهرة)
أكد أمين عام رابطة العالم الإسلامي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أن شتات الفتوى وعدم ربطها بقانون ضابط وفعّال، وخصوصاً ما يخص الشأن العام، يُعد معضلة تطِّرد سلباً، ولها أثر كبير على سلم المجتمعات، واستقرارها.

وقال العيسى : "إن خطاب الإفتاء يحمل برسوخه العلمي، وتجليات بصيرته توجيهات توعوية للجاليات الإسلامية تكسها الحكمة، وتبعدها عن الارتجال والفوات والعجلة".


وأضاف "أن كثيراً من الناس قد ضل في تيه بعض حاملي النصوص، فحسبوا العلم سرد مادتها المجردة، في استظهار مذهل، واستعراض خداع، كما فات بعضاً آخر، الفرق بين الفتوى العامة والخاصة، والتفريق بين خاصة الأفراد أنفسهم، لاختلاف الأحوال، كما فات كذلك مراعاة الفرق نفسه في الفتوى العامة، ولم يتيقظ بعض المفتين لأمرٍ مهم، فغاب عنهم أن الاحتياط في فتوى الأفراد والمؤسسات الخاصة يختلف عن الاحتياط في فتوى المؤسسات العامة، وخصوصأً شأن الدول".

جاء ذلك خلال مشاركته ضمن أعمال المؤتمر الدولي الذي نظمته دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء حول العالم تحت عنوان "دور الفتوى في استقرار المجتمعات" المنعقد خلال الفترة 27 ـ 29 محرم الموافق 17ـ 19 أكتوبر في مدينة القاهرة برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، ومشاركة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ومفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام، وعدد من مفتي العالم الإسلامي، ورؤساء جمعيات وهيئات إسلامية حول العالم، ومفكري العالم الإسلامي، وحشد من كبار المدعوين من سياسيين ودبلوماسيين وممثلي أتباع الديانات.

وزاد الدكتور محمد العيسى : "إن رعاية جميع ما سبق يصُب في مصلحة استقرار المجتمعات وإلفها، التي تتناولها محاور هذا المؤتمر، ويتعين لهذا التصنيف العالي من الفتاوى تخصيص إمام فتوى عام لا يزاحم، أو ردها لفتوى مجمعية، مع المنع البات من تطرق غيرهم لها، في إطار الحماية القانونية للصالح العام، مع تكييف اختراق هذا الحِمَى بالعمل الجنائي، حيث تخطى سقف حرية الرأي العلمي إلى مداهمة استقرار المجتمع بانتحال اسم الشرع وهو ـ هنا ـ في طليعة الأفعال الضارة، ومتى أفضت الحرية إلى هذا النوع من السطو، استحالت لفوضى وجناية عامة في ظرفٍ مشدد"، مؤكداً "أن هذا كله لا يصرف العالم عن العناية أيضاً بفتوى الأفراد، فلها ارتباط كذلك بالاحتياط لحكم الشريعة مع التأليف عليه".

وأضاف "أن من رسوخ علماء الشريعة ويمن فهمهم الانفتاح على الاختلاف السائغ ورحابة الصدر بالمخالف".

وأفاد أن عفو الشريعة قد تسامح عن القياس المحرم في بعض المعاملات فأجازها استثناء، منعاً لتحريج الأمة في شأن حاجياتها.

وعن فائدة الفتوى المجمعية قال : "ما أحسن التنسيق مع الدول ذات التجانس والتقارب لتوحيد الفتوى ما أمكن الحال، وكلما اتحد حكم الشريعة في نظر المجتهدين فيما تمس الحاجة لضبطه، كلما كان أكثر تأثيراً ونفعاً".

وأوضح أنه "وصلاً لقانون الفتوى في هذا المعنى يتعين تجريم الاختلاف على فتوى الإمام الجامع للأمة على جادة تآلفها، وإذا كان المخالف ينشد براءة الذمة فقد برئت بفتوى المؤهل وبكف كل مخالفٍ له بسياسة المانع الشرعي والزاجر القانوني".

ودعا إلى حماية حمى الفتوى من تصنيف الترخيص لها على الموضوعات مع التحفظ على الفتاوى الحية قائلاً "لا مجال للتدبر ولا التحرير، وشرع الله لا يلقى جزافاً على الهواء، وهو أول ما يُستفرغ له الوسع، دراسة وتأملاً ومراجعة، فضلاً عما في تلك الفتاوى الطائرة من استدراج المفتي بحبائل الاستفتاء، وكم لكثير منهم من وقائع ذات مخاطر ومزالق، ولإن مضت في زمن سابق ليُسر الحال وبراءة السؤال، فالحال اليوم تختلف".

ولفت النظر إلى أن أمور الناس محمولة في أصلها على الجواز والإمضاء، وعلى المفتي الموازنة بين الواجب بحسب الاقتضاء الحكمي للنص، وبين الواقع تنزيلاً على مقصد الشرع الحنيف، مراعياً التيسير والتخفيف، وهو ذروة الفقه الشرعي، فلا يهدر النص، ولا يهمل الواقع.

وفي ختام كلمته ثمن لدار الإفتاء المصرية احتضانها للمؤتمر، الذي عقد برعاية رئيس جمهورية مصر العربية عبدالفتاح السيسي.