-A +A
عبدالرحمن الطريري
الزيارة التاريخية التي اختتمها الملك سلمان إلى موسكو، والتي كانت تاريخية وتشير إلى فصل جديد من العلاقات بين البلدين، هي زيارة للمستقبل وبالتالي يبدأ الحديث عنها بعد نهايتها، ولا ينتهي الحديث بنهاية الزيارة كأي زيارة عابرة.

للعلاقات السعودية الروسية اليوم مقدمات لها علاقات بالطرفين، ولها علاقات بمنطقة الشرق الأوسط، خاصة ما تغير من تراجع للنفوذ الأمريكي في المنطقة، وظهور الإرهاب خاصة في سورية والعراق، وما دفع به الربيع العربي إلى تحويل العديد من الدول العربية إلى دول فاشلة، مهيأة بشكل كامل للتقسيم لكانتونات صغيرة.


روسيا ترى أنها خُدعت في قرار الأمم المتحدة الخاص بليبيا، والذي أزاح الديكتاتور وكل شيء له علاقة بالدولة معه، فأصبحت ساحة للتنافس بين دول أوروبية، وأخرى تدعم التيارات الإرهابية مثل قطر، وتحولت إلى جار مقلق لاستقرار مصر، وبدرجة أقل تونس، وتحولت ليبيا إلى ساحة جذب لقيادات داعش الهاربة من سورية والعراق، ولا يخلو ما يحدث في ليبيا من نهب وتنافس على الثروات الليبية.

ولا شك أن ما حدث في ليبيا كان أحد أهم الأسباب في الحفاظ على بشار الأسد، وهذا التمسك كان غربيا وروسيا على حد سواء، خصوصا أن انفجار الحدود السورية سيمثل خطرا على إسرائيل وكذلك الأردن، وقد يفجر الوضع في لبنان بما يتجاوز اللاجئين وعشرات المقاتلين.

وأذكر أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال في العام 2012، «إن ما نقوله عن سورية علنا لا يختلف عن ما يقوله الغربيون في الغرف المغلقة»، ومع مرور هذه السنوات وتردد الغرب وخصوصا إدارة أوباما في تسليح المعارضة المعتدلة، وعدم تقديم الضغط السياسي الكافي لعملية انتقال السلطة، يتبين أن كلام الوزير لافروف دقيق، وبدأ التراجع بالفعل في عدة خطابات غربية لعل أبرزها الخطاب الفرنسي.

والحديث عن سورية مهم لأنه الموضوع الخلافي الأبرز في العلاقات السعودية الروسية، هذا ما يتناوله الإعلام ويحاول البعض اعتباره حاجزا دون فرص تطور علاقة البلدين، والحقيقة أن مواضيع الخلاف هي اللبنة الحقيقية لبناء علاقات جيدة، لأن مناقشة الخلافات دليل حسن النوايا والثقة بين الطرفين، والثقة مهمة جدا في الثقافة الروسية، والزيارة هي فرصة للبناء على الثقة الموجودة والتي جُربت في اتفاق النفط 2015.

وأضيف على ذلك أن ما خرج من بيان عن حرص البلدين على بقاء سورية موحدة، بالإضافة إلى التأكيد على توحيد المعارضة، وهو جهد قامت به المملكة من قبل، ومن الجيد أن تضاف له منصة القاهرة ومنصة موسكو، والذين حضروا من قبل اجتماعات تنسيقية في الرياض.

وهناك آفاق تعاون كبيرة بين البلدين، ليس أقلها التعاون العسكري والاستثماري، وقد كان لسلاسة اتفاقية S400، رسالتها الواضحة من موسكو على الرغبة في تطوير العلاقات مع المملكة.

هناك بالطبع مواقف إيجابية من موسكو تجاه عدة ملفات، أبرزها قضية السلام ودعم حل سياسي في اليمن، بالإضافة إلى موقف موسكو الإيجابي من أزمة الدول الأربع، في تصديها لدعم قطر وتمويلها للإرهاب.

تعود روسيا للمنطقة وهي تدرك أنها لن تملأ الفراغ الأمريكي ولا أظنها تريد ذلك، ولن تنهي حلفا قديما بين المملكة والولايات المتحدة فالحليف الواحدة رواية تاريخية، هذا طبعا ينطبق على العلاقات الروسية الإيرانية، فليس من المنطق السياسي أن تنقطع العلاقة بين البلدين، لكن التعاون بين السعودية وروسيا من شأنه أن يعقلن التحركات الإيرانية بعض الشيء.

استمرار التعاون الاقتصادي والثقافي وكذلك التنسيق في ملف الطاقة، من شأنة الحفاظ على قواعد الثقة والتعاون، والبناء على ذلك لتحقيق منافع سياسية للبلدين وللمنطقة، قد يكون أهمها الخروج باليمن وسوريا إلى حل سياسي ينهي الأزمتين.