-A +A
عبده خال
قد تكون الطفرة التي عبرت البلاد في السبعينات الميلادية هي الأساس في إحداث التغيرات والتبدلات على مستوى الحكومة والأفراد، فانطلق الطرفان كل منهما قادر على تغيير حياته السابقة وفق الأموال التي تضخ في ميزانيته، فانشغل الناس بشراء كل ما كانت تتوق إليه النفس، وعمدت الدولة إلى تحسين وضعها والانتقال من حالة التقشف إلى حالة الثراء، فأظهرت صرفا مهولا للإنفاق على تأسيس البنى التحتية والأساسية للدولة، فبنت مدنا صناعية وجامعية وعسكرية وموانئ وطرقا سريعة ومستشفيات، ومع الأيام تم اكتشاف أن تلك الطفرة نسيت في غمرة انشغالها بالثروات المصبوبة بناء الإنسان، ولأن الإنسان عبارة عن عقل يستطيع تدبر وصياغة خريطة المستقبل حدث عجز في الاستفادة من تلك الطفرة.

والآن ونحن مقبلون على رؤية 2030 كل ما أخشاه أن ننسى صناعة الإنسان أولا، وقد سبق وأن تحدثت عن إستراتيجية تلك الرؤية، وذكرت أن أهم ركيزة للوصول إلى النجاحات المرجوة هي ركيزة الثروة البشرية، وكل الخوف أن نتذكر بعد فوات الأوان، وإذ كنا بكينا على تفويت فرصة بناء العقل في طفرة السبعينات فإننا الآن نعتمد في مركبنا للوصول إلى المستقبل على أهمية قوة الطاقة البشرية الفكرية، وبناء هذه القوة الفكرية على عدة محاور كل منها يعاني من خلل واضح ما لم يتم تداركه من الآن فإن النتيجة تقف على الأهداب.


للنظر إلى التعليم (العام والعالي) لا يزال يعاني من إرثه القديم الجديد الذي لم يتغير رغم أن الدولة ضخت مليارات المليارات، فما زلنا نبكي من المخرجات إلى الآن، وما زلنا نتحدث عن ضرورة تطوير المناهج ومهارات المعلم وعدد ساعات اليوم الدراسي، وما زلنا نتحدث عن أسوار الجامعات وعدم معرفتها باحتياجات السوق، وما زلنا نتحدث عن أهمية مراكز البحوث.

وبالنظر إلى الفنون والآداب نجد أننا ما زلنا في طور الخروج من شرنقة التحريمات التي جعلت جيلا كاملا (من هم أدنى من 40 عاما) لا يؤمن أن الثقافة والفنون قوة رئيسية لبناء العقل والوجدان، فغاب المسرح والسينما وهما أداتان رئيسيتان عن حمل المجتمع على التوازن الروحي والعملي. والمراكز الرياضية والاجتماعية والثقافية أهملت كل الجوانب وركزت على الكرة فلم يعد البناء إلا للقدم وتخلت تلك الأندية عن الرأس تاركة مهمة دحرجته إلى الخطاب الديني المتشدد.

ولا تزال مؤسسات الدولة مرحلة لاستثمارها في صناعة الإبداع وتحديدا القوى الثقافية أو الموسيقية أو الدرامية أو البحثية أو... أو..

إن بناء العقل أهم حجرة زاوية يمكن الانطلاق منها لحصد كل النجاحات وإن فسد هذا العقل أو اختل أو ظل راكدا فلنقرأ النتيجة التي تقف مباشرة أمام الأهداب.