-A +A
أحمد القيسي
رغم التصعيد التركي ضد الاستفتاء في إقليم كردستان، إلّا أنّ أنقرة ستكون غالباً قادرة على التعايش والاستفادة اقتصادياً وسياسياً من دولة كردستان مستقلة، يقودها زعماء أكراد العراق، إذ إن الدولة الجديدة، ستكون معتمدة على تركيا لتحقيق رفاهها، لا سيما أن الأتراك لديهم استثماراتهم التي بنوها في الإقليم لسنوات. فهناك 1300 شركة تركية تعمل في الإقليم، الذي يصدّر إلى تركيا ما لا يقل عن 550 ألف برميل من النفط يومياً من خلال خطوط الأنابيب عبر تركيا. وتلبية احتياجات تركيا من النفط والغاز من خلال كردستان سيكون أرخص بكثير من أيّة جهة أخرى.

من جانب آخر، فإن كردستان المستقلة ستكون ممراً لأنقرة يمكن من خلاله مقاومة وإدارة المسألة الكردية الخاصة بها وحزب العمال الكردستاني، حيث ستوفر للأتراك وسيلة للتعامل مع أكراد سوريا وتركيا، فمن الناحية العسكرية، ستتمكن أنقرة من القيام بحملة عسكرية علنية ضد الأكراد في الداخل التركي والسوري. وأيضاً تستطيع العمل على زيادة التواجد العسكري على الحدود، وزيادة الرقابة لمزيد من الضغط على الأكراد دون أن تتأثر بشكل سلبي دولياً. وعلى المستوى السياسي، فإن أنقرة تعاني من «فوضى زعامية كردية» وهي بحاجة لواجهة كردية رسمية إقليمية للتوصل إلى تفاهمات مع الأكراد الأتراك والسوريين، بغرض كبح النزعات الانفصالية الكردية. ومن الممكن أن تبدأ تركيا بالتهجير القسري لأكراد سورية نحو إقليم كردستان العراق.


الغرض من التصعيد التركي الشكلي ضد الاستفتاء، هو دفع إيران والعراق إلى التصعيد، مما يجعل كافة الأطراف تعمل على التفاهم مع تركيا وتقديم التنازلات للحصول على مكاسب؛ إذ إنه من المستبعد أن تلجأ تركيا إلى إضعاف بارزاني أمام خصومه وإيران، الأمر الذي من شأنه لو حصل أن يعزز مكانة حزب العمال الكردستاني، فضلاً عن أن قطع أنقرة إمدادات النفط من كردستان سيكون له انعكاسات على اقتصاد تركيا المعتل.

قادة أكراد العراق، ومنهم البارزاني، ليس من مصلحتهم قيام دولة كردستان الكبرى التي تضم أكراد تركيا وسورية والعراق، لأن أكراد العراق سيصبحون أقليةً، الأمر الذي سيؤدي إلى انتقال الزعامة إلى أكراد تركيا، وعليه فمن الممكن أن تلتقي مصالح أردوغان تكتيكيا مع بارزاني في إضعاف زعماء أكراد تركيا وسورية. إلّا أنهم سيختلفون بالهدف الإستراتيجي بعيد المدى، حيث تعمل تركيا على ضمّ الأكراد الأتراك إلى الدولة الكردية المستقلة، لتكون القيادة بحكم الأغلبية كردية تركية دائماً. وأكراد تركيا يمكن أن يبدؤوا بجلب التأييد من أكراد سورية، ما يزيد الضغط على أكراد العراق.

* المدير العام للمركز الدولي لتقييم المخاطر الاستثمارية