-A +A
مي خالد
كتبت الأسبوع الماضي مقالا بعنوان «إرهابي سابق». أنتقد فيه بعض مثقفينا الذين يطلون علينا عبر وسائل الإعلام المختلفة ويمارسون علينا أدوارا من التجهيل والتضليل والمداهنة، وأحيانا التجييش ضد مخالفيهم والتشفي منهم بناء على انتصارات وهمية أقرتها الحكومة ولا يد لهم فيها، بل أحيانا يحرضون ضد من يكرهون بلا رادع من خلق أو دين.

وختمت المقال بهذه الفقرة: (لهذا يجب أن نصنع المثقف البديل الذي يقود المرحلة. مثقفا طازجا ومستقلا غير محمل بحمولات فكرية سابقة يقتات على الحروب الكلامية الخاسرة أو على أحقاد التيارات السابقة، مثقفا غير مدجن ولا يسهل خداعه عبر الانضمام إلى أي تنظيم إرهابي ثم يعود علينا محاضرا. يحاضر في التنوير والوطنية والوسطية).


حديثي أعلاه عن «المثقف البديل» أوجد مجموعة من الأسئلة لدى بعض القراء عن مفهوم «المثقف البديل» وسأحاول أن أفرد مقالة هذا الأسبوع والأسبوع القادم لشرح فكرة «المثقف البديل أو البدائلي» حسب فهمي لها، وهو مصطلح استعمله الجابري وغيره من المفكرين دون أن أعرف من أول من استعمله على وجه التحديد. فهو استُعمل منذ ثمانينات القرن الماضي، وهو لدى الجابري بمعنى ضرورة أن يتبنى المثقف نظريات جديدة لمقاربة الواقع. وهذا ليس المعنى الذي أريده هنا. هذا أول أمر أود إيضاحه في المقالة، أما ثانيا فعلينا أن نختار معنى لكلمة المثقف وهو كما تعلمون مصطلح نجد له مئات التعاريف لو بحثنا عنه. لكني أحب تعريف إدوارد سعيد، حيث أشار إلى أن المثقف يجب أن يكون حكيما أي يكون منتميا للإنسانية قبل أن يكون منتميا لعقيدة ما أو سلطة ما أو إيديولوجية ما، لأنها ستشكل قيدا على عقله وضميره. وهذا التعريف بالمناسبة لا يمنع أن يكون المثقف مسلما أو منتميا إلى أي دين آخر.

وهناك أنواع كثيرة للمثقفين أحدهم المثقف العضوي الذي ينزل للشارع بين الناس ويعمل بيديه وجهده وماله لإيصال أفكاره وإنقاذ المجتمع وإصلاحه ثقافيا وأخلاقيا. لكن هؤلاء كانوا قلة خلال التاريخ وربما ظننا أنهم انقرضوا مع انتهاء عصور الأنبياء وأسباطهم.