-A +A
عبدالله صادق دحلان
من يتابع قرارات الإصلاح الاقتصادي في عهد الملك سلمان يشعر بأمان اقتصادي على مستقبل الاقتصاد الوطني في المملكة، وإن هذه القرارات ضمن التوجه التطويري للرؤية المستقبلية (2030) تمثل نقلة نوعية لتطوير بعض القطاعات الاقتصادية، ومنها الصناديق التمويلية المعنية بالتنمية الشاملة في المملكة والتي كان ولا زال لها دور كبير في التنمية منذ إنشائها التي كنت أسميها دائما (صناديق الادخار لفوائض إيرادات المملكة).

ومع النمو السكاني وتطور الاستثمار العقاري والصناعي والزراعي والصحي والتعليمي والخدمي أصبحت هذه الصناديق لا تستطيع مواكبة التطور السريع والاحتياج الكبير لتمويل المشاريع المتعددة من القطاع الأهلي، فتأخرت تنمية بعض القطاعات التنموية بسبب محدودية التمويل في الصناديق المعنية بها مثل صندوق التنمية العقارية الذي تجاوز انتظار المواطنين لقروضه نحو عشر سنوات في الماضي، ورغم مضاعفة رأسماله لمواجهة الطلب المتزايد لتمويل المشاريع الإسكانية إلا أنه لم ولن يستطيع تغطية هذا الطلب إلا بمزيد من مضاعفة رأس المال وبحلول تمويلية أخرى.


لقد أصابت الدولة في توجهها نحو تنويع مصادر الدخل من خلال وسائل عديدة منها الاستثمار المباشر وغير المباشر من خلال صندوق الاستثمارات العامة في مشاريع تنموية واقتصادية تعود بالنفع العام والخاص لها عوائد اقتصادية على واردات الدولة من خلال الاستغلال الأمثل لأملاك الدولة من أراض ومبان ومشاريع، وإقامة مشاريع تنموية جديدة، أو شراء حصص في شركات قائمة محلية وإقليمية ودولية ذات عوائد، وقد كنت مع أوائل المطالبين بضرورة تخفيض استثمارات الدولة في سندات الحكومة الأمريكية أو في بعض صناديق استثمار دولية خارج المملكة.

وطالبنا بضرورة عودة بعض الأموال المودعة أو المستثمرة في الخارج ليعاد ضخها في زيادة أو مضاعفة رؤوس أموال الصناديق التنموية بما فيها صندوق الاستثمارات العامة، حيث إن عوائد الاستثمار في المملكة أعلى بل ضعف عوائد الاستثمار في الخارج كحد أدنى في بعض الاستثمارات في المملكة.

وأشعر اليوم بالفخر والاعتزاز بالقرار الاقتصادي الحكيم الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الأسبوع الماضي بإنشاء صندوق التنمية الوطني لرفع كفاءة التمويل والإقراض في الصناديق التمويلية التنموية الأخرى أو أي صناديق تنموية تنشأ مستقبلا لخدمة التنمية في المملكة.

توجه حكيم وصائب للاستخدام الأمثل لفوائض إيرادات الدولة المستثمرة في الخارج أو المتوقعة مستقبلا، وهو قرار اقتصادي رقابي لتوحيد جهة الإشراف والمتابعة للصناديق التنموية وتمويلها كلما دعت الحاجة وحسب الخطط الموضوعة، متمنيا أن يعاد النظر في أنظمة ولوائح الإقراض والتمويل من هذه الصناديق وإزالة المعوقات أمام التمويل وخفض درجات الضمان صعبة التحقيق وتخفيف شروطها المعقدة، كما أتمنى دخول صندوق الاستثمارات العامة كمستثمر رئيسي في إنشاء بعض المشاريع التنموية والتعاقد مع القطاع الخاص لإدارتها وتشغيلها مقابل عوائد اقتصادية مجزية للطرفين ولفترة زمنية طويلة ومتوسطة المدى.

إن من أهم عوائق الاستثمار المباشر للقطاع الأهلي هي الإجراءات والقيود والعقبات التي تواجه الاستثمار الخاص، وقد يكون الأمر أقل تعقيدا وأسهل في الإجراءات لو أن المستثمر هو صندوق من صناديق الدولة، وعلى سبيل المثال إن استثمار القطاع الخاص في قطاع التعليم والصحة يعتبر من أصعب الاستثمارات بسبب القيود والشروط الموضوعة من قبل الجهات المعنية بالترخيص لها وعلى رأسها الأمانات، ولهذا اتسعت الفجوة بين الطلب والعرض على هذه المشاريع، فقيود وشروط إنشاء المدارس الأهلية أصبح شبه مستحيل تطبيقها وقيود إنشاء الجامعات والكليات الجامعية أكثر وأصعب، ومنها عدم توفر الأراضي المخصصة للتعليم وعدم السماح بالبناء في أراض غير مخصصة للتعليم.

أما الاستثمار في المجال الصحي لإنشاء المستشفيات والمراكز الصحية فهناك قيود وشروط من الجهات المعنية يصعب تحقيقها وتسهم بتراجع الاستثمار فيها.

لهذا فإن اقتراحي هو أن يقوم صندوق الاستثمارات أو شركة التعمير الخاصة بوزارة التعليم بإنشاء المدارس والجامعات على الأراضي الحكومية أو الأراضي المخصصة للتعليم أو أي أراض أخرى ثم تأجيرها للقطاع الأهلي للإدارة والتشغيل وكذلك الحال للمستشفيات والمراكز الصحية، وبهذا سوف نفصل بين الاستثمار في المشاريع العقارية التنموية والاستثمار في الإدارة والتشغيل لها.

وأجزم بأن هذه من أهم العقبات التي تواجه أصحاب الخبرة والرأي والتخصص في إنشاء مشاريع تنموية لأنهم قد يمتلكون العلم والمعرفة والخبرة ولا يمتلكون القدرة على البناء والتمويل.

وإذا كان هذا الاقتراح يتعارض مع دور الصناديق التنموية، فالاقتراح الثاني هو تشجيع إنشاء شركات تطوير المشاريع العقارية التنموية تساهم فيها الصناديق التنموية والقطاع الأهلي.

* كاتب اقتصادي سعودي