-A +A
صدقة يحيى فاضل
أسوأ ما يمكن أن يؤول إليه الإنسان في الآخرة، هي «جهنم» - والعياذ بالله -، فالذي قدر عليه أن يدخلها هو الأشقى الذى يصلى النار الكبرى، والذى لا يموت فيها ولا يحيى... بل عذاب خالد من سعير وحميم. ويمكن القول: إن هناك أيضا «جهنم» في الدنيا... فيها كل أنواع الألم والعذاب الفظيع. ولكن جهنم الدنيا – مهما بلغت من القسوة والوحشية – لا تذكر أمام جهنم الآخرة. وأغلب جحيم الدنيا يجريه الله – كثيرا – على يد بشر من خلقه... يشير البعض إليهم (أحيانا) بمسمى «شياطين الإنس»، أو الأشرار. وصدق من قال: «إن معظم بلاء الناس يأتي من ناس». وباب جهنم هو البوابة التي تأتى من داخلها نيران المحن المختلفة، والمصائب الكبرى والمآسي المتنوعة.

إن جحيم الدنيا موجود دائما وفي كل أرجاء العالم. ولكل جحيم بوابة خاصة... تغلق بالتطبيب السليم، وبالحكمة والإجراءات السياسية العملية، الناجعة والرصينة، والمجربة عبر التاريخ السياسي الإنساني، والثابت فعاليتها ونجاعتها. وتفتح هذه البوابات عندما يحصل العكس. فباب أي جحيم مفتاحه التخبط والفساد والظلم والإجراءات السياسية الاستبدادية والإرهابية، الثابت قصورها وفشلها، وعدم جدواها، خاصة في المدى الطويل.


أشير إلى هذا، تعليقا على قول بعض المراقبين السياسيين إن: سوء الأوضاع بالمنطقة، وتفاقم حدة الخلافات الدولية الإقليمية المتصاعدة، إضافة إلى استمرار ظاهرة الإرهاب هو بمثابة: إنذار مزلزل «قد فتح باب جهنم الكبير» بالمنطقة... ويبدو أنهم يقصدون أن: سوء وفساد كثير من الأوضاع وتداعيات الخلافات الحادة، ونتائج هذا الإرهاب قد أدخلت المنطقة في فوضى مدمرة، وأنفاق مظلمة (أو جهنمية) لا سابق لها في عصرنا، بدليل فتح باب «كبير» لجحيم أرضي متوقع.

***

ويمكن القول إنه: طالما أن هناك بابا «كبيرا» لجهنم الدنيا، فلا بد أن تكون بالمنطقة عدة «أبواب» أصغر، أو صغيرة لجهنم هذه. وأعتقد أن كثيرا من هذه الأبواب (الأصغر) قد فتحت بالفعل، أو أوشكت أن تفتح، في هذه المنطقة البائسة المسكينة، حتى قبل أن يقدم المتطرفون، وغلاة التشدد المجرمون على أفعالهم الشنعاء. فللإنصاف، يجب أن نذكر: أن هؤلاء ليسوا الوحيدين الذين يفكون مغاليق أبواب جهنم الدنيا - كما أخذوا يفعلون منذ عقود - في هذه المنطقة، وغيرها... بل هناك «فاتحون» كثر آخرون. وما زالت هناك أبواب أخرى مغلقة، أو مواربة، وعلى وشك الفتح.

إن بعض «أوضاع» هذه الأمة – وما هي عليه من أحوال – غالبا ما تفتح عليها عشرات من أبواب جحيم الدنيا، كبيرها وصغيرها... وها قد كسرت بالفعل أقفال أبواب: التخبط، التخلف، الضعف، الظلم، الهوان، الفقر، الجهل، عدم الاستقرار... إلخ. كما أن أعداء هذه الأمة، والطامعين فيها، يفتحون أبواب: الاستعمار والاستغلال والإذلال والظلم... وغيرها، ويساهمون في إبقاء الأبواب الجهنمية الأخرى مفتوحة، على مصارعها – ما أمكن. وهناك – كما يبدو – ما يشبه التحالف، بين الشيطانين الذاتي والخارجي... لفتح أكثر عدد ممكن من أبواب جحيم الدنيا، في هذا الجزء البائس من العالم... أو إبقائها مواربة، قابلة للفتح بسهولة، للحيلولة دون نهوض الأمة، ووقوفها على قدميها، والعمل على بقائها مستضعفة، مشغولة بمعاناتها... حتى يسهل إخضاعها لأبالسة الأرض وأساطين الشر.

***

لا يجب، بالطبع، أن يلام «الاستعمار» و«الصهيونية» قبل تقريع (ولوم) ما يفعله بعض العرب ببلادهم وأمتهم – سواء عن جهل أو غيره. إن امتطاء فكرة نبيلة معينة (كالوحدة العربية مثلا) واتخاذها شعارا – كما يحصل في سورية مثلا – ثم ارتكاب شتى فنون التجاوزات باسمها – وباسم حمايتها – ومصادرة الحريات، وعرقلة المساواة، وتعطيل العدالة، وإعلاء كلمة الاستبداد، والقيام بتقديم الدعم (المباشر وغير المباشر) لجرائم بشعة، كلها أمور لا يجب – ولا يمكن – «الدفاع» عنها... فهي التي تفتح للشرور ألف باب وباب... وتتيح للأعداء ألف فرصة وفرصة، لتحقيق مآربهم المدمرة، في الأرض العربية.

إن أبواب الشر، وخاصة باب عدم الاستقرار السياسي الصحيح، ستظل موجودة ما وجد بشر. والأفضل والمطلوب والمأمول أن تبقى مغلقة ولا تكسر أقفالها، وأن يعمل دائما على ضمان إحكام غلقها، وعدم السماح بفتحها. إن الذين يفتحون أيا من هذه الأبواب إنما يقدمون على عمل جرم شنيع في حق ملايين الناس، ويدمرون ما عمر على مدى عقود، بل وقرون، ويسهلون لأعداء الأمة تحقيق أهدافهم السلبية في الأرض العربية، بل ويرتكبون في حق الإنسانية خطايا لا تغتفر.

وليست هذه نظرة متشائمة الرؤية، قاتمة اللون، بقدر ما هي نظرة تشير لاحتمال مرير، وربما تحفز المعنيين لتداركه.