-A +A
عيسى الحليان
كان القراصنة في السابق يجوبون البحار للاستيلاء على السفن والمراكب بكل ما تحمله من بضائع وسلع، لكن بعض القراصنة في عصرنا الحاضر أصبحوا يظهرون على هيئات مغايرة تماماً، حيث يلبسون البدل الرسمية والحلل الأنيقة ويحملون الحقائب الدبلوماسية التي يجوبون بها العالم، وكل ما يسعون إليه هو إضعاف وضعضعة اقتصاديات بعض الدول من خلال تكبيلها بسلسلة من الديون والقروض والفوائد التي لا طائل من ورائها.

كنا نسمع مثل هذه الطروحات ونعتقد أنها تأتي من باب المبالغة وتخويف الدول، أو وضع مسؤولية إخفاق الحكومات المحلية على الخارج، لولا أنني اطلعت على الكتاب الذي صدر بعنوان confessions of an economic hit man، أو ما يمكن تسميته باعترافات قاتل اقتصادي للكاتب الأمريكي «جون بيركنز»، والذي اعترف من خلاله بأنه تلقى رشوة كبيرة مقابل صمته طوال 20 عاما، حيث سبق وأن رفضت جميع دور النشر نشر كتابه الخطير عدا دار واحدة تجرأت وبصعوبة بالغة اتخذت قرار نشره، وحينها أصبح الكتاب الأكثر مبيعاً، حيث ترجم إلى 30 لغة عالمية !


الذي يطلع على بعض تفاصيل الكتاب يصاب بالهلع، حيث يعرّف الكاتب القتلة الاقتصاديين بأنهم رجال محترفون بدرجة «لص اقتصادي»، وإن ظهر بهوية خبير اقتصادي دولي محترم، وأنهم بذلك يتقاضون أجوراً خيالية تفوق رواتب رؤساء الدول، ويعملون على الخداع والتمويه على دول بعينها ترصدها بعض الدول للاستيلاء على تريليونات الدولارات جراء إيقاع هذه الدول في شرك القروض بهدف ضمان الولاء والاستفادة من هذه التريليونات لتحقيق مشاريع اقتصادية وعسكرية تنعش الاقتصاد الأمريكي وغيره. هذا الكاتب الذي لم يتوان عن تصنيف نفسه بـ«لص بدرجة خمس نجوم»، يصف المرحلة الأولى من عمليات الاغتيال الاقتصادي لاقتصاديات الدول التي يقوم بها هو وأمثاله بأنها تكمن بإقناع الدول المستهدفة بأخذ قروض من البنك الدولي وبنوك أمريكا التجارية والــUs.aid الأمريكية لتمويل مشاريع مبالغ فيها، فإن قبلت الدولة هذا العرض أحكمت أمريكا قبضتها على هذه الدولة كما يجب، وإذا فشل العميل بهذه المهمة تأتي المرحلة الثانية من الخطة، والتي تستهدف الزعيم العنيد عن طريق إزاحته أو تدبير انقلاب ضده، ويضرب مثالاً بذلك في عمر نودريجا رئيس بنما، الذي أصرّ على الاعتماد على بقاء قناة بنما وطنية وأسقطت طائرته لاحقاً لهذا السبب.

الكتاب أتى أيضاً على ذكر بعض الدول العربية، بالأسماء أحيانا وبالأحداث أحيانا أخرى، وإن كانت طروحات لا تكاد تصدق !