-A +A
محمد بن سليمان الأحيدب
عثمان العمير ولد صحفياً وأظنه سيموت صحفياً، كيف لا وهو لا يزال يملك القدرة الجسدية لممارسة العمل الصحفي الميداني وهو قد قارب السبعين؟!، لا عجب أن يستمر الحس الصحفي والشهوة الصحفية بعد السبعين أو حتى الثمانين، لكن القدرة على تلبيتها ميدانيا صعبة للغاية.

زاملت عثمان في (الجزيرة) أواخر التسعينات الهجرية، وهو بالمناسبة عاش يعمل خلف الكواليس (رئيس تحرير غير متوج) لكنه يتوج الصحافة بأفكار تسبق الزمن، لا أنسى فكرته في (المسائية)، والمسائية فكرته، قال لي ذات يوم سأستحدث في المسائية زاوية (أين تأكل هذا المساء؟!) نريد أسماء مطاعم بدون بدل إعلان، قلت له (من جدك؟!)، كانت أغلب مطاعم الرياض آنذاك مطاعم مندي وكوارع!.


أختلف كثيرا مع عثمان لكنني لا أختلف عليه فهو عملة صحفية نادرة مهاجرة.

حواره مع فتح الله غولن يدل على أنه لا يزال يملك شهوة الصحافة، وشده الرحال لمقابلة الناشط التركي في بنسلفانيا يدل على أن لديه القدرة أيضا، وقلما تجتمع الرغبة والقدرة في هذا السن إلا لمن تزوج الصحافة وأنجبها وأنجب منها.

لم أقابل عثمان العمير منذ أكثر من 20 سنة، وفي آخر مقابلة كان قد عزمني بكرم وسخاء في مطعم راق كعادته مع كل زميل يزور لندن، وأتابعه في (تويتر) ولا يتابعني!، فلا تفهموني خطأ، فكل ما في الأمر أنه يعجبني كصحفي سعودي نادر. تماما مثلما أعجبني عبدالرحمن الراشد حينما شد الرحال صحفيا شابا من مكتب واشنطن إلى الناصرية في الرياض ليقنع رئيس تحرير صحيفة (الجزيرة) آنذاك محمد بن عباس بنشر حواره النادر مع الزعيم الأمريكي المسلم لويس فرخان، ولم ينشر، ووقفت معه حزيناً يردد (والله نيويورك تايمز تتمنى تحاوره ورافض)، قلت له (لا تشكي لي ابكي لك، أنا أنتظر نشر تحقيق عن العملية القيصرية من أربعة أشهر).

الصحافة صفائح دموية تجري في الدم حباً، مثل حب الوطن، ويلتقيان كثيرا، لكن لنعود إلى حوار عثمان العمير مع السيد غولن، فبالرغم من أن التخطيط للقاء بدأ في مايو إلا أن نشره هذه الأيام ضربة معلم صحفي، فتركيا وجيرانها وربما العالم أجمع في حاجة إلى حوار مع هذا الرجل، فرجب طيب أردوغان أثبت مؤخرا أنه (يهايط) سياسيا بشكل ملحوظ، والمهايطي حساس جدا وهش، فهو يصاب بهيجان شديد عندما يسمع (مجرد سماع) باسم غولن، فإذا اجتمع طاري غولن والاستفتاء على انفصال أكراد العراق جن جنونه! وعثمان اختار الحوار المناسب مع الرجل المناسب في الوقت المناسب، ولن أستغرب لو أجرى تحقيقاً صحفياً عن الانفصال، فالضربتان في الرأس توجع، وستجعل أردوغان يفيق من حالة هياط غير محسوب!