-A +A
طارق فدعق
سيارتي بدأت مرحلة النضج، فبعد تسع سنوات من العمل، أصبحت ذات خبرة كبيرة كما يقولون. وفي الآونة الأخيرة بدأت تظهر عليها بعض من علامات الكبر من عدة تغيرات ومنها كمية الوقود غير المحروق الذي تحاول مشكورة أن تتعامل مع آثاره. والمحرك طبعا يعمل بآلية الاحتراق الداخلي للوقود. وما لا يلحّق على دورة الاحتراق بداخل المحرك، يخرج من العادم على شكل نفثات كربون... يعني «هباب» لا مؤاخذة. والاسم الدارج لهذه الظاهرة هو أن المحرك «مُكربن». ولكن تجاربي مع الكربون لا تقتصر على سيارتي فحسب، فحتى بداخل أوعيتي الدموية يبدو أن هناك ترسبات كربونية على شكل دهنيات هنا وهناك. وعلى ما يبدو أنها تعيق انسيابية مرور دمي عبر المنظومة الدورية العجيبة التي أكرمني بها الله عز وجل. وتلك الترسبات ليست خطرة بمشيئة الله، وخصوصا أن طول تلك الأوعية الدموية هو أغرب من الخيال: إجمالي أطوالها بإرادة الله يعادل المسافة من جدة إلى نيويورك، ثم إلى طوكيو، ثم إلى دبي، وينتهي في جدة ثم يكفي للفة ثانية حول الكرة الأرضية... وكمان شوية. ولكن هذه الأمور لا تؤثر على حبي واحترامي للكربون كأحد أهم النعم التي أكرمنا بها الله. وفي الواقع، ففي أحد الاجتماعات خلال الأسبوع الماضي وصف أحد الزملاء الأفاضل أن الأفكار المطروحة كانت وجيهة جدا. بل إنها من الذهب... خسارة أنها لم تكن أفكاري شخصيا... ما علينا... فالشاهد أنني كنت أود أن أذكر الجميع أن الأفكار المطروحة هي أفضل من الذهب بل وترتقي لتكون من الكربون. ولو تأملنا في خصائص هذا العنصر العجيب مقارنة بالذهب لوجدنا أن خصائصه تبرر موقفي. فضلا لاحظ أن طبيعة عنصر الذهب هي «شوفة الحال»... ذرات عادة لا تتفاعل أو تتحد مع العناصر الأخرى، وهذا أحد أسرار بريقه الجذاب. وأما الكربون فهو يحب «الوناسة» وتعشق ذراته تشكيل «الشلل» و«جبر الخاطر»، فيتحد مع العديد من العناصر المختلفة، ولذا فنجد أن هناك بعض فروع الكيمياء معنية بالمواد الكربونية بأشكالها وألوانها المختلفة ومنها الكيمياء العضوية، والكيمياء الحيوية، وكيمياء الفولرين. ويمكننا العيش بسهولة دون أن تستخدم جرام واحد من الذهب، ولكن الكربون من أساسيات حياتنا: في الغذاء، والدواء، والتفاعلات المختلفة الضرورية للحياة بداخلنا اليوم وكل يوم. ولنتذكر كونه من مكونات الصابون الذي نستخدمه كل صباح، إلى فنجان الشاهي، والسكر، والخبز، والفول، والعسل، والبيض وملايين المنتجات الأخرى. وإحدى روائعه هي أشكاله وألوانه المختلفة... لنبدأ بالألماس الذي تتعدى قيمته قيمة الذهب بمراحل، مرورا بمصادر الطاقة الرئيسة اليوم من بترول وفحم. ثم نعم الغذاء، والدواء، والكساء، ومواد البناء. وبالمناسبة فالأسمنت والحديد والجبس والأخشاب كلها تعتمد على الكربون المتحد أو المتشعبط على عناصر أخرى. وللعلم فاستخدامات الكربون نادرا ما تعتمد على استخدامه بمفرده باستثناء الألماس والجرافيت في الأقلام الرصاص، علما بأن تلك الأقلام لا تحتوى على أي رصاص بالمرة.

أمنيـــــة


كل دولة لها مخرجات كربون سنوية تقاس نسبة للفرد، وتعتمد على كميات الوقود المستهلكة. وبالرغم من روائع هذا العنصر، فإن مستويات نفث الكربون العالية تضر بالبيئة لأنها من جانب تؤثر على جودة الهواء، وعلى تغيرات الطقس من جانب آخر. ونحن في المملكة من أعلى دول العالم في مخرجاته نسبة للفرد. أتمنى أن ننجح في تقليص ذلك الإنتاج من خلال ترشيد استخدام الطاقة واستخدام الطاقة المتجددة التي لا تعتمد على الاحتراق الزائد. وكان الله في عون الجميع، وهو من وراء القصد.