-A +A
حمود أبو طالب
لم يحدث أن تناقلت وسائل الإعلام العالمية أو احتفت دول ومنظمات حقوقية بخبر اجتماعي داخلي في أي دولة مثلما حدث مع قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة مساء الثلاثاء الماضي، وسبب ذلك واضح وبديهي ومباشر، هو أنه لم يسبق في أي دولة حدوث أزمة كبيرة مزمنة وجدل مستمر محتدم حول قضية بسيطة كهذه، ولأنه لا توجد دولة في العالم تحفظت على هذا الحق، أو أصبحت نخبها وتياراتها تستخدمه في خلافاتها ومواجهاتها. كان العالم يراقب هذه القضية التي انفردنا بها وينتظر متى وكيف سيتم حسمها، وعندما حدث ذلك كان مفهوماً جدا أن يصبح الخبر حديث العالم فور صدوره، وأن نصفه نحن بالقرار التأريخي ونسهر ليلتها احتفاءً به.

السؤال المهم هو لماذا وكيف تحول موضوع عادي إلى قضية ثم أزمة، ولماذا تأخر حسمه، ولماذا حسمته الدولة الآن عبر أكبر وأقوى سلطة فيها. هنا يمكن القول أن موضوع المرأة بكل جوانبه كان إشكالياً لزمن طويل، وتكثفت الإشكالية عندما سيطر عليه تيار مبالغ في التحفظ والتشدد التقليدي، ثم تيار التسييس الديني كورقة مهمة في الاستقطاب والهيمنة الاجتماعية، ونجح في ذلك كثيراً، وناور بهذه الورقة دون كلل كأداة ضغط وإثارة ولغط وجدل جعلت الدولة في غير ميالة لحسمها.


الانسياق اللاواعي لشريحة كبيرة من المجتمع خلف دعاة ووعاظ متشددين ومؤدلجين حوّل هذه الشريحة إلى فريق ممانعة شرس، ولكن حين ارتفع وعي المجتمع وبدأ بدافع ذاتي يتفحص واقعه ويطالب بحقوقه الإنسانية الطبيعية الأصيلة، تغيرت المعادلة لتتغير معها توجهات وقرارات الدولة. إنه الوعي المجتمعي وحده الذي كان وراء انحياز الدولة لحسم ملف قيادة السيارة، فحين بدأت المرأة تطالب بحقها الذي لا يمنعه الشرع ولا يتعارض مع القيم الأخلاقية، واستمرت مطالبتها بإصرار وقناعة ومسؤولية، في مرحلة زمنية تحتم مشاركتها الفاعلة في الرؤية المستقبلية للوطن، جاء قرار الحسم لصالح الوعي والمنطق.

تخلي المجتمع عن التبعية العمياء، وإفاقته من الوصاية على عقله، وإدراكه لضرورة توظيف وعيه لتحقيق مصلحته الاجتماعية والوطنية، هو ما يجعل الدولة تبادر لتبني ودعم خياراته.

كان قرارا من ملك واع وشجاع ومتزن لصالح مجتمع ناضج مدرك لمسؤوليته تجاه خياراته، وليس لصالح المرأة فقط. وهكذا سنرى مزيدا من القرارات الإيجابية.

habutalib@hotmail.com