-A +A
حمود أبو طالب
تتضاءل أي قيمة مهما كانت أمام قيمة الوطن، وتتأخر أي أهمية مقابل أهمية الوطن، وأي محاولة للجدل حول هذه الحقيقة تصبح نوعاً من العبث الذي قد لا يمكن فهم خطورته إلا بالنظر الى أحوال الشعوب التي سقطت أوطانها وتفككت وأصبحت نهباً للفوضى والدمار واستباحة الدماء في حالة من السعار لا تستثني أحداً ولا تضع اعتباراً لأي وازع أخلاقي.

نختلف على كثير من الأمور التي تحدث داخل الوطن، لكن لا نختلف عليه. نحاول تصحيح الأخطاء والمطالبة بالأفضل في إطار القيمة الوطنية وليس خارجها. نرفع الصوت معه ضد ممارسات تعطيله أو المساس بمكتسباته أو العبث بمصالح مواطنيه لكن لا نرفع الصوت عليه. قد نغضب منه أحيانا ونعتب عليه، لكنه خطأ فادح أن نمس مكانته أو نسمح للغير باختراقنا واستغلال خصوصية علاقتنا به وحقوقنا عليه وحقوقه علينا لصالح أجندتاهم التي تسعى لإشاعة حالة عامة من التذمر والجفوة، كي تنتهي بشكل من أشكال القطيعة أو انفصام العلاقة معه.


لا يستطيع تقدير نعمة الوطن الآمن إلا الذين فقدوا الأمن ثم فقدوا الوطن. علينا فقط مشاهدة مناظر اللاجئين والمشردين وهم يعانون البؤس والشقاء والذل والعذاب على حدود الغير أو في مخيمات الشفقة أو في مراكب الموت المحتمل التي تتقاذفها الأمواج، بعد أن تحولت أوطانهم الى أشلاء يخيم عليها كابوس الفناء. الكرامة تسقط عندما يسقط الوطن، والحياة تصبح جحيما عندما لا يدري الإنسان في أي لحظة يحصده الموت العبثي مع أطفاله.

كثيرون أرادوا إسقاط قيمة الوطن لدينا حتى يهون فقده على المخدوعين بخطابهم المسموم، حاولوا أن يرفعوا مفاهيم أخرى فوقه، اجتهدوا كثيراً ولزمن طويل، لكن خاب مسعاهم عندما شعر الجميع بقيمة الوطن ومعناه، فأحاطوه بالحب وطوقوه بالولاء المتدفق.

كل شيء يمكن الحديث فيه والمطالبة به وأنت مواطن كريم في وطنك، لكنك لا تستطيع المطالبة بشيء ولا الحديث عن شيء عندما ينهار وطنك، حينها تريد النجاة لا أكثر وقد يصعب أن تحصل عليها.