-A +A
عزيزة المانع
لا شيء أبشع من استغلال الأطفال، فالطفل صغير في حجمه، ساذج في تفكيره، ضعيف في نفسه، عاجز عن الدفاع عن حقه، يخاف سريعا فيسلم قياده لمن يمسك به.

استغلال الطفولة يقصد به تسخير الطفل في أعمال ومهمات تهدد سلامته وصحته البدنية والنفسية والأخلاقية، وتحرمه من حقه في التعلم أو الاستمتاع بطفولته.


ورغم أن جميع المواثيق والمعايير الدولية تدين استغلال الأطفال وتعده جريمة يعاقب عليها فاعله، إلا أنه ينتشر في معظم دول العالم، خاصة في بعض الدول التي تشتعل فيها الحروب وسوء الأوضاع الاقتصادية كما هو الحال حاليا في العراق وسورية واليمن وليبيا وأمثالها من مناطق تشتعل فيها الفتن وينحدر الاقتصاد.

استغلال الأطفال يتخذ أشكالا متنوعة، من أبشعها استغلالهم في الجنس، والعمل الشاق، والقتال، وترويج المخدرات، والتسول، والمتاجرة بأعضائهم أو بيعهم، وغير ذلك من أشكال الاستغلال البشعة للطفولة البريئة.

لكن استغلال الأطفال لا ينحصر فقط في تلك الأشكال الشديدة البشاعة، هناك أشكال أخرى قد تبدو في ظاهرها غير مؤذية، لكنها في حقيقتها تدمر الجانب النفسي والأخلاقي عندهم، كابتزاز الأطفال عاطفيا كأن يكون هناك خلاف بين الأبوين فيعمد أحدهما إلى إيغار صدر الأطفال ضد الآخر، أو تهديدهم بعدم حبهم، أو التخلي عنهم، أو التظلم أمامهم والشكوى من الأذى لاستدرار تعاطفهم وإخضاعهم.

قبل أيام شاهدت استغلالا للطفولة مشابها لهذا، حين قام أحد الآباء بكتابة نص على لسان طالب في المرحلة الابتدائية ينتقد فيه أحد الكتاب، الذي نشر مقالا عنيفا يهاجم فيه المعلمين، وعلق الأب النص على لوحة بحجم الطالب، ثم كلفه بعرضها داخل المدرسة، والتقطت صور للطفل وهو يحمل اللوحة، ثم نشرت عبر وسائل النشر الإلكترونية، في استغلال واضح للطفولة البريئة.

كانت لغة النص بعيدة تماما عن منطق الأطفال ولا تعكس أسلوبهم ولا حتى خطهم، فبدا التصنع فيها واضحا، تعرف منذ الوهلة الأولى أن الطالب أقحم في خصومة لا ناقة له فيها ولا جمل.

قد يبدو الأمر في ظاهره بسيطا عند بعض الناس، لكنه في الحقيقة ليس كذلك، هو يتضمن استغلال الطفل في صراع قائم بين المعلمين ومنتقديهم، فهذا الأب بنسبته الكلام إلى ابنه وتكليفه إياه بحمل اللوحة في المدرسة وتصويره له ونشر صورته عبر وسائل التواصل الإلكترونية، أحرج الطفل ووضعه في موقف أكبر من قدرته على مواجهته، فضلا عما أوصله إليه من رسائل خاطئة وقيم تربوية ضارة، وقد خالف بذلك نظام حماية الطفل، الذي يحظر الإساءة إلى الأطفال بجميع أشكالها، بما في ذلك هذا النوع من الاستغلال.

إن الحرص على حماية الأطفال من الاستغلال، ليس من أجلهم وحدهم، وإنما هو من أجل المجتمع ومصلحة الوطن الذي يشكل الأطفال مستقبله.

azman3075@gmail.com