-A +A
عبدالرحمن الطريري
في مارس الماضي عاشت الرياض ليلة غير كل الليالي، حيث احتضن مركز الملك فهد الثقافي حفلة للفنانين محمد عبده وراشد الماجد، أتت تلك الحفلة بعد غياب طويل وتعطش كبير من الجمهور والفنانين على حد سواء، أثبت التنظيم في الدخول إلى الحفلة والخروج منها مقدار رقي ووعي السعوديين، وأن من أوهمونا أن وجود الرجال والنساء معا في حفلة مصيبة، ذهبوا هم وتضليلهم إلى التاريخ في صفحاته السوداء.

ليلتها كانت بالفعل ليالي نجد ما مثلها ليالي، كما قال الأمير خالد الفيصل في قصيدته المعروفة، ومن استاد الجوهرة وبعد ستة أشهر من الحفلة الأولى، خرجت حفلة اليوم الوطني السعودي لتثبت أن «جدة غير»، حفلة امتدت لأكثر من سبع ساعات متواصلة، لم يتعب فيها الجمهور من المتعة، ورفع الصوت بأغاني الوطن حتى ليقال إن أعداء كثرا لم يناموا جيدا ليلة الأحد مما رأوا.


السعوديون يفرحون بيومهم الوطني، فهذا انتماؤهم وهذه أرضهم، يعلمون أن الفن والترفيه من سمات الشعوب المتحضرة، ولم تعد تنطلي مقولة إن هذا الوقت غير مناسب للفرح، فقدر وطنهم أن يكون كبيرا وأن تكون تحدياته كبرى، ومسؤولياته أكبر تجاه محيطه العربي وفضائه الإسلامي.

يعلم السعوديون أنهم أثناء احتفالاتهم باليوم الوطني في مختلف أرجاء المملكة، كان الدفاع الجوي السعودي يتصدى لصاروخ أطلقه الحوثيون من اليمن، مستهدفا مدينة خميس مشيط، ويذكرهم بصاروخ حاول الانقلابيون في اليمن أن يطلقوه باتجاه الرياض إبان القمة الإسلامية الأمريكية، خرج الصاروخ الحوثي يومها ليبين مقدار الحنق الإيراني من النجاح الدبلوماسي السعودي.

هذا الحنق لم يصب الإيرانيين فقط، بل تسبب في مغادرة الشيخ تميم الرياض دون حضور افتتاح مركز مكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)، تلاه خروج قيح النظام القطري والذي ظهر جليا عبر خطاب الأمير عبر وكالة الأنباء القطرية، والذي انشغلت القنوات القطرية في توصيف تقنيات الاختراق، رغم أن كل ممارسات النظام القطري بعد ذلك أثبتت ما حواه الخطاب.

السعودية وبرفقة أشقائها وقفت ضد أجندات تمزيق المنطقة وزعزعة الأمن، حدث ذلك في البحرين 2011، عبر تدخل قوات درع الجزيرة، وحدث ذلك في 2013 عبر دعم إرادة الشعب المصري في إزالة حكم تنظيم الإخوان الفاشي، وتأكد إصرار المملكة أكثر عبر الاستجابة للشرعية في اليمن وإطلاق عاصفة الحزم في 2015، ضمن تحالف عربي ضم عشر دول.

مع ذلك تعرف المملكة المسؤولية الكبيرة التي حباها الله بها، عبر احتضان الحرمين الشريفين، وشرف العناية بملايين الحجاج والمعتمرين كل عام، وهو ما أبهر العالم هذا العام، عبر جودة التنظيم ودقة العمل، وكان لافتا مشاركة المرأة في مختلف القطاعات، مما يؤكد أيضا عبور المملكة للمستقبل بكل أبنائها.

كان فرح اليوم الوطني كبيرا، وكنت مستمتعا بهذا الزحام، والكبير والصغير يحملون الأعلام الخضراء، أفراح الوطن كبيرة ولله الحمد، ولعل آخرها التأهل لكأس العالم في روسيا، والتحديات كبيرة وليس أقلها التحديات الاقتصادية، واستقرار أسعار النفط، وبالطبع التحديات الأمنية، فلا ننسى أبدا أننا الهدف الأول دائما للإرهاب.

ختاما هذا الوطن الكبير، يدرك أن حسابات الوقت لا تسمح بأن تؤجل ملفات على حساب ملفات أخرى، قدره أن يقوم بكل الأمور معا، يصلح اقتصاديا ويتيقظ أمنيا، وبتطوير في التحالفات السياسية والحراك الدبلوماسي، ويفرح في أيام الفرح، لأن الفرح أيضا لا يتأجل.

وكل عام وهذا الوطن بخير..