-A +A
عزيزة المانع
يغلب على كثيرين حين يتحدثون عن الوطن تشبيهه بالأم.

فالأم ليست مجرد صدر حانٍ وقلب رؤوف، الأم أكبر من ذلك بكثير، الأم هي الخيمة التي يفيء إلى ظلها الأبناء، وهي المورد العذب الذي ينهلون منه ما يروي ظمأهم ويسكت جوعهم، الأم هي مركز الحماية والأمن، في حضنها يتبدد الفزع فيسري دفء الأمان في العروق، الأم هي مصدر المعرفة، كلما استغلق أمر كان عندها التفسير والتعليل، والأم هي السند الدائم وقت الشدة، لا تتخلى ولا تتذمر، كلما استعصت حاجة كان سلمها جاهزا للتسلق فوقه لبلوغ ما استعصى.


ثم إن الأم مع كل ذلك العطاء، لا تعرف المن، ولا تنتظر حمدا وثناء، فهي تفعل ما تفعل بدافع الحب ليس إلا، تجد سعادتها فيما تفعله من أجل أبنائها، غايتها أن تراهم أمامها سعداء أعزاء، لذلك هي تنأى بهم عن الإذلال بالمن عليهم أو توقع الحمد والشكر منهم.

بعد هذا، هل من عجب أن شبه الناس أوطانهم بالأم؟

فالوطن كما يعرفه غازي القصيبي - رحمه الله، «هو رغيف الخبز والسقف والشعور بالانتماء والدفء والإحساس بالكرامة».

لقد قيل الكثير من التغزل في الوطن، فالوطن «أجمل أراضي الدنيا»، و«أجمل قصيدة في ديوان الكون»، وهو «بوصلة الباحثين عن الاتجاهات»، و«سند من لا سند له»، وغير ذلك من الأقوال المملوءة حبا وامتنانا للوطن، لكن أجمل ما قيل في حب الوطن، ما قاله جلال عامر: «قد نختلف مع النظام لكننا لا نحتلف مع الوطن، ونصيحة أخ، لا تقف مع (ميليشيا) ضد وطنك، حتى لو كان الوطن مجرد مكان تنام على رصيفه ليلا». وأيضا ما قاله محمود درويش: «ليس وطني دائما على حق، لكني لا أستطيع أن أمارس حقا حقيقيا إلا في وطني».

فالوطن مهما ساءت الحال فيه، يظل مكانه ملء العين والقلب، كما يقول شاعرنا القديم: «وتستعذب الأرض التي لا هوى بها،، ولا ماؤها عذب، ولكنها وطن!».

يوم أمس احتفلنا ببلوغ وطنا العام السابع والثمانين لوحدته، فللوطن وأبنائه أجمل التهاني.

ولعل أول من يستحق تهنئتنا وشكرنا وامتنانا، جنود الوطن المرابطون على حدوده، يحمونها ويصدون عنها النوازل، فاللهم منّ عليهم بالنصر من لدنك، واجزهم عن الوطن وأهله خير الجزاء بما قدموا ويقدمون من عمل صالح.

واللهم احفظ وطننا عزيزا مجيدا آمنا، وأعنا على العمل المخلص الجاد من أجل نموه ورفعته وتقدمه.