-A +A
أحمد قطان
دهشة كبيرة.. وتناقض واضح.. هذا هو الانطباع الذى تركته لدي كلمة وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري سلطان بن سعد المريخي أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم الثاني عشر من سبتمبر الجاري.

التناقض جاء بين القول والفعل.. أما القول الذي أدهشني فجاء على لسان الوزير القطري عندما وصف إيران «بالدولة الشريفة».. وأما الفعل الذى يثبت التناقض فكان عندما صوت رئيس الوفد القطري لصالح قرار إدانة إيران لتدخلاتها في شؤون الدول العربية! والحقيقة أن التاريخ يؤكد أنه منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م، وسجل إيران يحفل بأفعال تثبت تبنيها سياسات نشر الفتن والقلاقل والاضطرابات في دول المنطقة بهدف زعزعة أمنها واستقرارها، والضرب بعرض الحائط بكافة القوانين والاتفاقات والمعاهدات الدولية، والمبادئ الأخلاقية. وقد التزمت المملكة العربية السعودية بسياسات ضبط النفس، والحفاظ على حسن الجوار طوال الفترة الماضية، رغم معاناتها المستمرة ودول المنطقة، والعالم بأسره من جراء السياسات العدوانية الإيرانية.


والحقيقة الأخرى أن هذه السياسات الإيرانية تستند في الأساس على ما نص عليه الدستور الإيراني في مقدمته، وعلى وصية الخميني، فيما عُرف بمبدأ «تصدير الثورة». وهو مبدأ تقوم عليه السياسة الإيرانية الخارجية، رغم ما يستدعيه ذلك من انتهاك سافر لسيادة الدول، والتدخل في شؤونها الداخلية تحت مسمى نصرة الشعوب المستضعفة والمغلوبة على أمرها. وفى سبيل ذلك تقوم إيران بتجنيد الميليشيات في العراق، ولبنان، وسوريا، واليمن.

كما تدعم إيران الإرهاب بشكل مستمر بتوفير ملاذات آمنة لقياداته على أراضيه، وزرع الخلايا الإرهابية في عدد من الدول العربية، وتجاوزت هذه السياسات إلى الأفعال بالضلوع في التفجيرات الإرهابية التي ذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء، واغتيال المعارضين في الخارج، وانتهاكاتها المستمرة للبعثات الدبلوماسية، ومطاردة الدبلوماسيين الأجانب حول العالم بالاغتيال أو محاولته. وكل ذلك تدعمه التواريخ والأرقام والأحداث التى توضح في مجملها حقيقة سياسات إيران العدوانية طوال أكثر من 35 عاما. وكلها حقائق تدحض بالدليل القاطع تلك الأكاذيب التي يروجها النظام في طهران، بما في ذلك مقال وزير الخارجية الإيراني في صحيفة نيويورك تايمز، ورسالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

والحق أن استعراض سجل النظام الإيراني في دعم الإرهاب والتطرف في منطقتنا، وفي العالم لدليل كافٍ على الحقيقة التي يحاول الفكاك منها.

فإيران هي الدولة الأولى في العالم لرعاية الإرهاب ودعمه، فقد أسست العديد من المنظمات الإرهابية الشيعية في الداخل (فيلق القدس وأشباهه)، وفي الخارج عمدت إلى تأسيس «حزب الله» في لبنان، و«حزب الله» الحجاز، وعصائب «أهل الحق» في العراق، وغيرهم. كما أسست ودعمت العديد من الميليشيات الطائفية في عدد من الدول أمثال «الحوثيين» في اليمن. ويكفى دليلاً أن الأمم المتحدة أدانتها، وفرضت عليها عقوبات دولية.

كما دعمت إيران وتواطأت مع منظمات إرهابية أخرى مثل «القاعدة» بتوفير ملاذ آمن لعدد من قياداتها، ولا يزال البعض منهم ينعم بالحياة المترفة على الأراضى الإيرانية. والمتتبع لأهم الأحداث الإرهابية في العالم يصعب عليه أن يجد حدثا أو عاما برئت فيه يد النظام الإيراني من حادثة أو أكثر في بقاع الأرض.

ففي العام 1982م تفجرت أزمة «الرهائن»، والتي استمرت 10 سنوات، وتم اختطاف 96 أجنبيا في لبنان، وكان بينهم 25 أمريكيا، وكانت معظم عمليات الخطف من تنفيذ حزب الله، والجماعات المدعومة من إيران.

ويحمل عام 1983م خاتماً خاصاً في العمليات الإرهابية، بدءاً من تفجير السفارة الأمريكية في بيروت بمعرفة عملاء «حزب الله» في عملية دبرها النظام الإيراني وراح ضحيتها 63 شخصا في السفارة.

وفى العام نفسه 1983م نفذ أحد عناصر الحرس الثورى الإيراني، واسمه إسماعيل العسكري، عملية انتحارية في بيروت بتدبير إيراني استهدفت مقر مشاة البحرية الأمريكية. وأسفرت العملية عن مقتل 241، وإصابة أكثر من 100، من العسكريين والمدنيين الأمريكيين. وهى العملية التي قالت عنها الصحافة الأمريكية بأنها أوقعت أكبر عدد من القتلى خارج ميادين القتال.

وبالتزامن مع هذه العملية تم تفجير مقر القوات الفرنسية في بيروت بمعرفة «حزب الله». وخلف التفجير 64 قتيلا من العسكريين والمدنيين الفرنسيين.

وفى نفس العام نفذ عناصر من «حزب الله» وحزب الدعوة الشيعي، المدعومَين من إيران، مجموعة هجمات إرهابية استهدفت السفارة الأمريكية والسفارة الفرنسية فى الكويت، ومصفاة للنفط، وحيا سكنيا. وأسفرت الهجمات عن 5 قتلى و8 جرحى.

ولم ينتهِ العام 1983م إلا بهجوم تم خلاله قصف ناقلات النفط الكويتية، مما اضطرها إلى رفع العلم الأمريكي.

وشهد العام 1984م شن حزب الله هجوما على ملحق للسفارة الأمريكية في بيروت الشرقية مخلفا 24 قتيلا بينهم أمريكيون.

وفى العام 1985م وقع حادثان؛ الأول محاولة تفجير موكب سمو الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت آنذاك، رحمه الله، والتي نتج عنها أربعة قتلى. أما الثاني فكان خطف طائرة ركاب تابعة لخطوط (TWA) وعلى متنها 39 أمريكيا بتدبير إيراني. وهي العملية التي استمرت أسابيع وراح ضحيتها أحد مشاة البحرية الأمريكية.

ولم تسلم الشعائر الدينية والأرض المقدسة من إرهاب النظام في طهران، فقد شهد العام 1986م حادثًا هو الأغرب من نوعه حين حرضت إيران حجاجها على القيام بأعمال شغب أثناء تأدية المناسك مما أدى لحدوث تدافع بين الحجيج راح ضحيته 300 من ضيوف الرحمن.

وشهد العام 1987م إحراق ورشة بالمجمع النفطي برأس تنورة شرق السعودية نفذه عناصر من «حزب الله» الحجاز المدعوم من النظام الإيراني، ولم يكن هذا هو الحادث الوحيد لعناصر هذا التنظيم، فقد هاجموا مقر شركة «صدف» بمدينة الجبيل الصناعية شرق السعودية.

ولم يكتفِ النظام الإيراني خلال هذا العام بالهجمات الإرهابية داخل المملكة، فقد تورط في اغتيال الدبلوماسي السعودي مساعد الغامدي في طهران، وهو نفسه العام الذي أفشلت فيه سلطات المملكة العربية السعودية محاولة تهريب إيران متفجرات في حقائب حجاجها.

كما اعتدت السلطات الإيرانية، وفي نفس العام، على القنصل السعودي في طهران رضا عبد المحسن، واقتاده عناصر من الحرس الثوري إلى المعتقل، ولم يتم الإفراج عنه إلا بعد مفاوضات بين المملكة العربية السعودية وإيران.

ولا يخفى على أحد حقائق تورط إيران في عمليات اغتيال تمت لعدد من المعارضين لنظام طهران. فقد تورطت عام 1989م في اغتيال عبد الرحمن قاسملو زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني ومساعده عبد الله آزار في فيينا. وفي عام 1991م اغتال عناصر من الحرس الثوري في باريس شهبور باختيار آخر رؤساء الحكومات في إيران تحت حكم الشاه. وأسفر الحادث عن مقتل رجل أمن فرنسى وسيدة فرنسية. وفى برلين وفى العام 1992م اغتالت إيران صادق شرفكندي الأمين العام للحزب الديموقراطى الكردستاني الإيراني، وراح في العملية مساعدوه الثلاثة، فتاح عبدولي، وهومايون أردلان، ونوري دخردي.

وفي العام 1989م تورط النظام الإيراني في اختطاف وقتل عدد من الدبلوماسيين الأمريكيين في لبنان.

وخلال الفترة من 1989م إلى 1990م تورط النظام الإيراني في اغتيال الدبلوماسيين السعوديين عبدالله المالكي، وعبدالله البصري، وفهد الباهلي، وأحمد السيف في تايلاند.

وفي العام 1992م أثبت القضاء الألماني تورط الاستخبارات الإيرانية في تفجير مطعم ميكونوس في برلين وقتل أربعة معارضين إيرانيين كانوا في المطعم ساعة التفجير. وقد أصدر المدعي العام الألماني الاتحادي مذكرة اعتقال بحق وزير الاستخبارات الإيرانية -على فلاحيان- موجهاً له تهم التخطيط والإشراف على العملية.

ولا ينسى العالم تفجيرات العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس التي وقعت عام 1994م وخلفت 85 قتيلا وأكثر من 300 مصاب، وهى العملية التي اعتقلت الشرطة البريطانية عام 2003م هادي بور السفير الإيراني السابق في الأرجنتين بتهمة التآمر لتنفيذ الهجوم.

وفى العام 1994 تورط النظام الإيراني في الأحداث الخطيرة التي وقعت في مطار سيمون بوليفار الدولي في كراكاس. وأصدرت الخارجية الفنزويلية بيانا صحفيا أكدت فيه تورط أربعة دبلوماسيين إيرانيين في الأحداث بهدف إجبار اللاجئين الإيرانيين على العودة إلى طهران.

وشهدت مدينة الخبر السعودية عام 1996م حادثا مأساويا بتفجير أبراج سكنية بمعرفة عناصر «حزب الله الحجاز» المدعوم من إيران، وقد خلف الهجوم الإرهابي 120 قتيلا، بينهم 19 أمريكيا. وتولت إيران توفير الحماية والأمن لمرتكبي الحادث وضمنهم المواطن السعودى أحمد المغسل، والذى تم القبض عليه عام 2015م وهو يحمل جواز سفر إيرانيا. وأثبتت التحقيقات أن الملحق العسكري الإيراني لدى دولة البحرين آنذاك أشرف على العملية، وأن مرتكبيها تلقوا تدريبهم في لبنان وإيران، وأن الأسلحة المستخدمة في الهجوم تم تهريبها إلى المملكة من لبنان بمعرفة عناصر من حزب الله، ولدى المملكة وعدة دول صديقة أدلة تؤكد هذه المعلومات.

ومنذ العام 2001 وبعد هجمات 11 سبتمبر، وفرت إيران ملاذاً آمنا على أراضيها لزعامات من تنظيم القاعدة بينهم سعد بن لادن، وسيف العدل وغيرهما. ورفض النظام الإيراني تسليمهم لبلدانهم رغم تعدد المطالبات في هذا الشأن.

ولم تتوقف إيران لحظة عن دعم العلميات الإرهابية، ففي العام 2003م تورط النظام الإيراني في هجمات الرياض الإرهابية والتي تم تنفيذها بأوامر من أحد زعماء تنظيم «القاعدة» في إيران ونتج عنها مقتل العديد من السعوديين والأجانب وبينهم أمريكيون.

ولم تكن كل العمليات الإيرانية ناجحة، ففي العام 2003م، إذ أحبطت السلطات البحرينية مخططاً إرهابياً دعمته إيران لتنفيذ مجموعة عمليات إرهابية وتفجيرات في مملكة البحرين. وألقت السلطات القبض على عناصر الخلية الإرهابية، وأثبتت التحقيقات أن أعضاء الخلية تلقوا دعما من الحرس الثوري الإيراني، ومن حزب الله اللبناني. كما تم ضبط خلايا مماثلة في الكويت، والإمارات في أوقات متفرقة.

وفى عام 2003م دعمت إيران عناصر شيعية عراقية لتشكيل أحزاب وجماعات موالية لنظام طهران، وقد تورطت هذه التنظيمات في مقتل 4400 جندي أمريكي، وعشرات الآلاف من العرب السنة، وقد ألقى السفير الأمريكي السابق في العراق جيمس جيفرى بالمسؤولية في مقتل العسكريين الأمريكيين على «جماعات تدعمها إيران مباشرة».

وفى عام 2006، أكدت واشنطن أن إيران دعمت «طالبان» ضد القوات الأمريكية في أفغانستان، وتولت تسليح جماعات تختلف معها عرقيا وطائفيا بهدف ضرب الوجود الأمريكي على حدودها. وقالت واشنطن أن النظام الإيراني خصص مكافأة 1000 دولار عن قتل كل جندي أمريكى في أفغانستان.

وكان ضروريا أن تتخذ أمريكا موقفاً من نظام طهران، فأصدر مجلس الشيوخ الأمريكي قرارا بإدراج الحرس الثورى الإيراني كمنظمة إرهابية. وهو نفسه ما فعله الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، والكونجرس الأمريكى عام 2007م عقب هجمات 11 سبتمبر.

ولم تقف الممارسات الإرهابية الإيرانية ضد المملكة العربية السعودية، فتورطت عام 2011 في اغتيال الدبلوماسي السعودي حسن القحطاني في كراتشي. وفى نفس العام نجحت سلطات الأمن الأمريكية في إحباط محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، وأثبتت التحقيقات الأمريكية تورط النظام الإيراني في الحادث الإرهابي، وكشفت الشكوى الجنائية في المحكمة الاتحادية في نيويورك عن تورط كل من منصور أربابسيار الذى تم القبض عليه وصدر ضده حكم بالسجن 25 عاما، وغلام شكوري الضابط بالحرس الثوري الإيراني والمتواجد في طهران والمطلوب للقضاء الأمريكي.

ولم تقف العمليات الإرهابية المدعومة من إيران عند حدود التفجيرات والاغتيال وتعدتها إلى الهجمات الإلكترونية. وفى العام 2012م شن قراصنة تابعون للحرس الثوري الإيراني هجوماً إلكترونياً على شركات النفط والغاز في السعودية والخليج. وهي الهجمات التي وصفها ليون بانيتا وزير الدفاع الأمريكي وقتها بأنها الأكثر تدميراً، كما قالت عنها إدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما «ندرك أن هذا عمل الحكومة الإيرانية».

وفى عام 2012م تم الإعلان عن إحباط مخطط لاغتيال مسؤولين ودبلوماسيين أمريكيين في باكو العاصمة الأذرية، بمعرفة عناصر جماعة شيعية مدعومة من إيران وتتلقى أوامرها من الحرس الثوري الإيراني.

ولعلنا جميعا نتذكر قضية خلية العبدلي الشهيرة في دولة الكويت، والتي أصدرت محكمة الجنايات الكويتية فيها حكما بالإعدام على اثنين من المدانين فيها؛ أحدهما إيراني. بعد ثبوت اتهامهم بالتخابر مع إيران وحزب الله للقيام بأعمال عدائية، وارتكاب أفعال من شأنها المساس بوحدة وسلامة أراضي دولة الكويت.

ويشتهر النظام الإيراني بأنه أكبر موزع في العالم لمتفجرات IED التي تستخدم لتفجير العربات المدرعة وقد تسببت هذه المادة في قتل العديد من القوات الدولية في العراق.

وليس أدل على تورط إيران في دعم الإرهاب من اعتراف محمد على جعفري بوجود 200 ألف مقاتل إيراني في سوريا، والعراق، وأفغانستان، وباكستان، واليمن. فهل يمكن أن يكون هؤلاء المقاتلون رسل سلام، وعوامل أمن واستقرار في أي بلد يحلون به؟ هذا بعض من كثير من الحوادث الإرهابية والهجمات التي تبنتها إيران ودعمتها بالمال، والسلاح، والتدريب، والتخطيط، والإشراف تارة، ومشاركة عناصر من رجالها مباشرة تارة أخرى. إلا أن ضيق المساحات لم يدع مجالاً لذكر ما تبقى منها. لكن «إيران الشريفة»، بحسب وصف الوزير القطري، تورطت فيما هو أكثر من ذلك. فأينما حلت البعثات الدبلوماسية الإيرانية تعمل على تشكيل شبكات تجسس وتنظيمات مدعومة لتنفيذ عملياتها الإرهابية. وقد توالى الكشف عن شبكات التجسس الإيرانية في السعودية عام 2013م، والكويت عامي 2010م، و2015م. وفى البحرين عامى2010م، و2011م. وفى كينيا عام 2015م. وفى مصر أعوام 2005م، و2008م، و2011م. وفى الأردن عام 2015م. وفى اليمن 2012م، والإمارات 2013م. وتركيا2012م. ونيجيريا 2015م.

ويحفل السجل الإيراني بانتهاكات متعددة ومتكررة لحرمة وحصانة البعثات الدبلوماسية على أراضيه. ذلك السجل الذى يضم بين صفحاته وقائع عديدة، لعل أبرزها اقتحام السفارة الأمريكية عام 1979م واحتجاز دبلوماسييها لمدة 444 يوماً. ثم الاعتداء على السفارة السعودية عام 1987م. تلاه وفى نفس العام الاعتداء على السفارة الكويتية. ثم السفارة الروسية 1988م. والاعتداء على الدبلوماسي الكويتي عام 2007م. وسفارة باكستان 2009م. والسفارة البريطانية 2011م. وأخيراً الاعتداء على السفارة السعودية وقنصليتها في مشهد 2016م، ولم يوفر النظام الإيراني الحماية للبعثة الدبلوماسية السعودية. ودخل رجال من الأمن الإيراني إلى مباني البعثة الدبلوماسية السعودية ونهبوها.

والحقيقة أن المملكة العربية السعودية لم تكن الدولة الأولى التي اضطرت لقطع علاقتها مع النظام الإيراني بعد محاولات عديدة لإثنائه عن التدخل في شؤون المملكة، وعن العمل على زعزعة الاستقرار في دول المنطقة، وإجباره على احترام حصانة البعثات الدبلوماسية، وتوفير الأمن اللازم لأعضائها، فقد سبقت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا دول العالم في اتخاذ هذه الخطوة. كما اتخذت كندا، والجزائر، وتونس، ومصر، والمغرب، واليمن، قرارات مماثلة في وقت سابق. وأخيراً انضمت البحرين، والسودان، والصومال، وجيبوتي، وجزر القمر المتحدة، إلى قطار قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، كما اتخذت دول أخرى خطوات أقل درجة بسحب سفرائها من طهران احتجاجا على التدخل في شؤونها والعمل على زعزعة استقرارها.

والغريب أنه في الوقت الذى تتعرض فيه المملكة العربية السعودية ودول المنطقة لهجمات إرهابية متفاوتة من تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، لم تتعرض إيران لأية هجمات من التنظيمين الإرهابيين وكأنما تعيش بمعزل عن المنطقة، أو كأنها من منطقة أخرى.

ثم إن المنطقة العربية عاشت مئات السنين لا تعرف الطائفية، ولا التنظيمات الإرهابية، ولا النزعات العرقية حتى قامت الثورة الإيرانية عام 1979م. فعمد النظام الجديد فيها إلى التدخل في لبنان، واليمن، وسوريا، والعراق، حتى أن وزير الاستخبارات الإيرانية يتشدق بأن إيران نجحت في احتلال أربع عواصم عربية. وبالتدخل في سوريا، ودعم نظام بشار الأسد بقوات من الحرس الثوري، و«فيلق القدس»، وميلشيات «حزب الله» اللبنانية رغم تورط هذا النظام في قتل أكثر من ربع مليون سوري، وتشريد 12 مليونا آخرين.

ولا يتوقف النظام الحاكم في إيران عن توزيع الاتهامات الكاذبة والمضللة على دول المنطقة، ويختص المملكة العربية السعودية بالجزء الأكبر منها. فيرميها بالأكذوبة تلو الأخرى، لكن تظل عناية الله مع المملكة تؤكد براءتها من التهم الباطلة والأكاذيب الملفقة. فمرة تدعي إيران أن قوات التحالف العربي قصفت السفارة الإيرانية في اليمن وتأتي الصور لتفضح الكذابين، وتارة تختلق أقاويل مضادة للشيعة وتنسبها لواحد من أئمة الحرم، وتدحض الخطب الموثقة صوتا وصورة تلك الادعاءات. ومرة تصف نمر النمر بأنه ناشط سياسي، رغم إدانته قضائيا مع 46 آخرين بالإرهاب، وبتكوين خلية إرهابية خططت ونفذت أعمالاً إرهابية أدت إلى مقتل العديد من الأبرياء، كما أثبتت التحقيقات القضائية تورطه ورفاقه في شن هجمات على رجال الأمن والتستر على مطلوبين للعدالة.

وقد حاولت إيران الوقيعة بين المملكة العربية السعودية والمجتمع الدولي حينما ادعت أن المملكة تعارض الاتفاق النووي الذى أبرمته الدول الكبرى مع إيران، والمراجع للموقف المعلن لحكومة خادم الحرمين الشريفين سيجد أن المملكة العربية السعودية أعلنت منذ اليوم الأول تأييدها لأي اتفاق يحول دون حصول إيران على السلاح النووي، وأيدت أن يشمل الاتفاق آلية تفتيش صارمة، مع التأكيد على إمكانية العودة لتطبيق العقوبات في حالة انتهاك الاتفاق. وهذا الموقف أثبتته الولايات المتحدة الأمريكية ودعمته، وأكدت عليه.

ونظرة على الداخل الإيراني فإن المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والعديد من منظمات العمل المدني أدانت النظام الإيراني بسبب انتهاكاته الممنهجة لحقوق الإنسان. وقد أثبتت عدة تقارير دولية تبني النظام في إيران عقوبة الإعدام لأتفه الأسباب، ووفقا لهذه التقارير فإن عام 2015م وحده شهد أكثر من ألف عملية إعدام، من ضمنها إعدام 27 عالماً دينياً، بواقع ثلاث حالات إعدام في اليوم الواحد. كما تنتهك إيران حقوق الأقليات على أراضيها بمن فيهم الأحواز العرب، والأكراد، والبلوش وتمنعهم من ممارسة شعائرهم وحقوقهم المدنية. والمشهور أيضا عن النظام في طهران أنه لا يحمي رجاله وعملاءه. بل يعمد إلى تصفيتهم حتى لا يفتضح أمر التورط الإيراني في العمليات الإرهابية التي يتم تكليفهم بها، وكان آخر هذه العمليات تصفية أحد المتورطين في تفجيرات الخبر.

ليست السعودية هي التي تتهم إيران بالإرهاب، وليست دول المنطقة هي التى تتجنى على «الدولة الشريفة» التي يدعيها الوزير القطري، فإدانات المنظمات الدولية سبقت الجميع في إدانة النظام الإيراني. فجميع قرارات الجامعة العربية أدانت إيران بقوة ودعتها للكف عن التدخل في شؤون دول المنطقة، وآخرها قرار المجلس الوزاري غير الاعتيادي في اجتماعه الأخير في يناير الماضي. وتقرير الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 70/‏411 الصادر في 6 أكتوبر 2015 أدان النظام الإيراني بدعم الإرهاب، وانتهاك حقوق الإنسان. وتنتهك إيران قرار مجلس الأمن رقم 2216 الخاص بالأزمة اليمنية والذي يحظر تزويد الحوثيين بالسلاح في اليمن. ثم إن إصرار إيران على الاستمرار في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى) رغم توالي الإدانات الدولية لهذا الاحتلال دليل آخر على أن إيران لا تدخر لهذه المنطقة أي خير.

لقد مدت المملكة العربية السعودية يد السلام إلى النظام في طهران منذ قيام الثورة الإيرانية. ودعت حكام إيران إلى تبني سياسات حسن الجوار، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، إلا أنها لم تجد من طهران إلا أكاذيب وممارسات عدائية، واتجهت إيران إلى إشاعة الفتن الطائفية والمذهبية، والتحريض والقتل والتدمير. وعلى إيران أن تحدد إن كانت تحترم القوانين والمعاهدات الدولية، وتحترم جيرانها، وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية، أم أنها تصر على اتباع سياسة تصدير الثورة. فإذا ما أرادت إيران التحلي بلغة العقل، فعليها أن تثبت حسن النوايا بالتوقف الفوري عن دعم الإرهاب والتدخل في شؤون الغير. وساعتها ستجد إيران كل خير من المملكة العربية السعودية، ومن دول الجوار، ومن العالم أجمع.

وبعد، فتلك أيها السيد سلطان المريخي مجموعة من الحقائق حول دولة «إيران الشريفة» كما وصفتها. ولا أظنك تجهل تلك الحقائق ولا حتى تستطيع أن تنفي أياً منها. وأعتقد أنك يجب أن تخجل من نفسك على هذا الوصف الذى يجافي الحقيقة والواقع. والذي أثار استهجان كل من سمعه. وعليك أن تدعو بلادك إلى تغيير موقفها حيال القرارات المتعلقة بإيران والتي تصدرها الجامعة العربية وتدين ما تقوم به طهران ضد الدول العربية لتصبح مؤيدة لأفعال إيران بدلا من شجب أفعالها العدوانية وأعلم أن المجتمع العربي والدولي يلاحظ جيدا تناقض الموقف القطري بوضوح بين تأييد قرارات الجامعة.. ثم وصف إيران بالشريفة!، إن الحقائق لا يمكن تجاهلها أو إنكارها يا معالى الوزير، والمواقف العادلة تحظى باحترام الجميع.

* سفير خادم الحرمين الشريفين لدى القاهرة، ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، وعميد السلك الدبلوماسي