-A +A
عيسى الحليان
منذ ربع قرن وقطاعنا الصحي يمر بمرحلة مخاض عسير للبحث عن هوية ما والخروج من شرنقة القصور في الخدمات من دون جدوى، وطوال هذه الفترة كان هناك من يلوح بالتأمين الصحي كمخرج من هذه الإشكالية المزمنة، فيما كان آخرون يرون أن تطبيقه في هذه المرحلة وعلى أرضية هذه الهياكل الصحية المهلهلة سوف يعود بنا إلى الوراء، هناك من رأى بأن تخصيص الخدمات الصحية يسبق تطبيق التأمين، وليس العكس، كمدخل موضوعي لهذا النظام، وهناك من ذهب أبعد ورأى أن الأمر يحتاج إلى إعادة إنتاج منظومة هذا القطاع هيكلياً باعتباره يعاني من فراغ تنظيمي عام وغياب نظام صحي شمولي، إضافة إلى تقادم الأنظمة الصحية الجزئية، وتضادها أحياناً.

هناك من كان يتغنى بالتأمين كمخرج -أو مهرب- مناسب من عبء تحسين الخدمات الصحية الحكومية، وهناك من كان يطرحه لكبح جماح الإنفاق الكبير لهذا القطاع لعدم كفاءة النظام الحالي وارتفاع تكاليفه، وبالتالي ارتفاع نصيب الفرد من هذه التكاليف وتوفير الفرق للخزينة العامة حتى مع التزام الدولة بدفع تكاليف بوالص التأمين للمواطنين انطلاقاً من فكرة أن نصيب الفرد من هذه الخدمة يبلغ 15 ألف ريال في ظل النظام الحالي (بعد طرح قيمة المباني والرواتب من إجمالي ميزانية القطاع) في حين أن بوليصة التأمين التعاوني لن تتعدى 2000 ريال، وعليك أن تتخيل الفرق.


هناك من كان يطرح التأمين التجاري، وهناك من يرى بأنه لن ينجح مطلقاً، وأن البديل هو التأمين التعاوني، فيما ذهب آخرون لما هو أبعد، واخترعوا لنا تأميناً أطلقوا عليه التأمين الصحي الحكومي، وضمن هذا التوجه هناك من يرى باتباع المدرسة البريطانية وهناك من يجنح للأمريكية وهكذا، رغم حجم التفاوت الكبير بيننا وبينهم. لم تتوقف الطروحات والأفكار عند هذا الحد، فالبعض طالب بإلغاء وزارة الصحة برمتها وتحويلها إلى هيئة تخطيطية ورقابية تكتفي بتطبيق معايير صارمة في الجودة والمهنية الصحية إلى آخر هذه الأفكار، لكن الأكيد أننا لم نستطع حتى الآن تكوين أو ترسية هوية صحية واضحة المعالم لهذا القطاع رغم أهميته.