-A +A
عزيزة المانع
ما إن أعلن قائد الطائرة عن هبوط طائرته على المدرج، حتى تقافز الركاب من مقاعدهم ليصطفوا في الممر ترقبا لفتح الباب للخروج، وذهبت أدراج الرياح، محاولات المضيفة ثنيهم عن ذلك.

قد تتساءل في نفسك ما الذي يحث هؤلاء الركاب على التعجل في الخروج؟ لكنك ما تلبث أن تتذكر أن هذه ليست المرة الوحيدة التي يتعجل فيها الناس قضاء حاجة لهم، فهم في عجلة دائمة من أمرهم، إن قادوا السيارة طاروا بها كالريح، وإن التزموا بنظام غذائي لإنقاص الوزن تعجلوا في قراءة الميزان، وإن بدأوا مشروعا تجاريا توقعوا جنيا سريعا للأرباح، وإن قابلوا شخصا لأول مرة بادروا إلى إصدار الحكم عليه فوصفوه بالطيبة أو الخبث، وإن كتبوا قصة أو قصيدة تعجلوا في طلب النشر، حتى في دعائهم ربهم، هم يتطلعون إلى إجابة فورية فيرددون: (عاجلا غير آجل).


العجلة أصل في خلق الإنسان، والله سبحانه فطر البشر جميعهم على العجلة، (خلق الإنسان من عجل).

وقد لاحظ خبثاء المعلنين ميل البشر الغريزي نحو العجلة، فصاروا يصوغون إعلاناتهم على النمط الذي يجذب الناس، جعلوا التمايز في تقديم الخدمة بحسب الزمن الذي تستغرقه وليس بحسب الجودة، فتعلم لغة جديدة يمكن تحقيقه في ثلاثة أيام، ومحو تجاعيد الوجه يحدث فوريا، وإعادة إنبات الشعر لا يحتاج أكثر من ستة أيام، ومضاعفة الدخل لا تتطلب أكثر من شهر، وغيرها كثير من الإعلانات التي تركز على عامل الزمن.

هذه العجلة التي تقاسم الإنسان فطرته، تختلف عن السرعة في الإنجاز، فحسب تعريفات أهل اللغة، السرعة تعني (إنجاز الشيء في أقل مدة زمنية ممكنة) وهي بهذا المفهوم من الأمور الإيجابية ذات النفع، كالذي يحدث في هذا العصر من سرعة التغير في المواصلات والاتصالات والاكتشافات العلمية والطبية والمخترعات الصناعية وغيرها من أشكال التغير السريع، الذي أدخل كثيرا من الراحة على حياة الناس ووفر عليهم كثيرا من الجهد والمشقة.

أما العجلة، فإنها ليست كذلك، العجلة حسب ما تعرف هي (المبادرة إلى القيام بأمر قبل أن يحين وقته، أو قبل الاستعداد الكافي له)، وهي بهذا المعنى تعد أمرا سلبيا، وقد نهى الله عنها في آيات عدة: (فلا تستعجلون) (فلا تعجل عليهم) (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه).

وربما لذلك قيل: (العجلة أم الندامة) فالعجلة تدفع بالانسان إلى أن يحكم قبل أن يتأكد، ويجيب قبل أن يفهم، ويقرر قبل أن يفكر. وقديما قيل: (الخطأ زاد العجول).

azman3075@gmail.com