-A +A
حسين بن محمد الغامدي *
في المدرسة الابتدائية ثمة معلم كان يعشق صفع التلاميذ.. أول مرة صفعني كنت في الصف الثالث.. لم يكن يدرسنا ولكن حضر بديلا عن معلم غائب.. اشتكى التلميذ المجاور بأنني دست على قدمه.. كان مجاورا لي ووقعت قدمي على قدمه دون قصد.. عندما سألني الأستاذ لماذا؟ لم أعرف كيف أجيب.. لا أستطيع أن أبرّر آنذاك.. كنت عاجزا حتى عن التفكير.! الرعب من المعلمين كان يملأ قلوبنا.. وخاصة من ذلك المعلم الذي كان يصفع التلاميذ لأسباب واهية، أحيانا هو يخترعها.. أخذ عمامتي من فوق رأسي وثبّت بها ذراعيّ في جانبيّ، وبدأ يكيل لي الصفعات، فهمت لاحقا أنه كان يحاول استهلاك وقت ممل يقضيه في حصّة احتياطية. مرة في طريقي إلى صلاة الظهر تفقد وضوئي.. وعندما رأى مرفق يدي لم يتبلل صفعني، ولكنه مرّرني إلى الصلاة دون أن يطلب مني إعادة الوضوء.. كان شابا صغيرا وطائشا.. كان يأمرنا بالصلاة وأثناء أدائها يفضل أن يسترخي في سيارته.. أتت فترة كان يتناقل التلاميذ همسا أن أحدهم رأى والده يجري خلفه يريد أن يضربه وهو فار منه، كانت القصة تشبه الأساطير التي نسمعها آنذاك، لم تستطع مخيلتنا الصغيرة أن تتصوّر معلما بحجمه يخاف من أحد حتى لو كان أباه.

فِي مساء يوم مرّ من أمام منزلنا ورآني ألعب الكرة في الفناء الخارجي.. اليوم التالي استدعاني وصفعني لأن الكرة كانت محرّمة في قانون المدرسة آنذاك عدا في الحصة المخصصة لها.


في إحدى الحصص زودنا بأسئلة تحريرية نجيب عنها سؤالا سؤالا أثناء الحصة.. كنت أتنافس مع أحد الزملاء أيّنا أسرع في الحل.. مرة يسبقني ومرات أسبقه، وكأني لمحت في نظرة الأستاذ رضا الأمر الذي اطمأننت له.. بعدها طلب منّا أن نرسم جدولا من صفين وثلاثة أعمدة.. رسمته بسرعة بالمسطرة وقلم الرصاص وقدّمته له أثناء ما كان يتجوّل بيننا، قدمته فرحا وكأنني أنتظر كلمة تشجيع. نظر إليه، أومأ برأسه مستحسنا وانصرف، ثم استدار وعاد إليّ، أشار بإصبعه إلى أحد الخطوط وقال: مائل. وقبل أن تصلني كلمته تلك فاجأني بصفعة. في إجازة العيد كلّفنا بكتابة عشرين صفحة بقلم الحبر.. قبل أن أنتهي منها بقليل كرّرت إحدى الكلمات.. وقضيت وقتا طويلا في كيف أمسحها دون أن يعرف.. أشاروا عليّ بأن أستخدم قطنا مُشبعا بالكلوركس أضعه على الكلمة المكررة.. عندما عملتها ظهرت بارزة على كثير من الصفحات فأكملت بقية الإجازة في رعب.. وبعد العودة وأثناء التصحيح كان يسألني.. ماذا فعلت؟.. كنت أجيبه وأرتعد.. أوقف جميع التلاميذ الذين يستحقون العقاب وكنت من ضمنهم.. وبدأ بعصا خيزران يضربنا بقسوة.. كان التلميذ الذي قبلي يتلقى الضربات دون أن يبدي تأثره وكان يقدم يده للأستاذ مباشرة.. أثناء هذا فتح الباب والد ذلك التلميذ.. استدعى المدرس وتحدث معه بغضب.. بدا المدرس منزعجا ثم طوّح بالعصا بعيدا..عاد إلينا اقترب منّي ووجه لي صفعة قبل أن يأمرنا بالجلوس. بعد تخرجنا من الابتدائية لم يعد يصفعنا أحد.. وبعد سنين طويلة التقيت ذاك المعلم عند أحد المعارف.. وكان يظهر عليه الضعف والكبر، تعرّف عليّ وسألني السماح.. مباشرة سامحته.. لا أعرف لماذا.! ربما لأنني خشيت أن يصفعني..

* قاص سعودي