-A +A
طارق فدعق
من أسرار السعادة أن ندرك قيمة ما يكرمنا به الله عز وجل. وإحدى تلك النعم العظيمة هي فنجان شاهي الصباح. وهناك متعة خاصة في تحضيره.. في التلقيم بالكمية الصحيحة، والتأكد أن يكون السكر فوق ورق الشاهي، وأن يكون الماء طازجا لم يتم غليانه مسبقا، وأن يتم رفع الحرارة إلى درجة الغليان ويفضل أن تكون مائة درجة مئوية. واسمحوا لي بثلاث وقفات هنا، فاسم المشروب هو «الشاهي»، لأن اسم «شاي» كان يطلق على جهاز الأمن العام الإسرائيلي «شاباك» أيام زمان، وهذا طبعا من عوامل سد النفس.. ولذا، ففي رأيي الشخصي أن الاسم الأفضل هو «شاهي» وليس «شاي».. برا وبعيد. والوقفة الثانية هي أن درجة غليان الماء تنخفض مع انخفاض ضغط الجو. وكلما ارتفعنا عن مستوى سطح البحر انخفض الضغط، وكلما انخفضت درجة غليان الماء في المناطق الجبلية لن تغلي المياه على درجة مائة درجة مئوية، وبالتالي فلن يكون مذاق الشاهي بنفس النكهة. وبالمناسبة، فالشاهي الذي نشربه على متن الطائرات دائما طعمه يكاد أن يكون تعيسا بسبب انخفاض درجة غليان الماء. وتحديدا، فعلى متن الطائرة أثناء تحليقها على الارتفاعات الشاهقة يصبح ضغط الهواء منخفضا للغاية، ولذا يتم تكييف ضغط مقصورة الركاب، ولكنه مهما تكيف، لا يصل إلى مستوى الضغط على سطح البحر، ولذا فلا يغلي الماء بداخل جسم الطائرة على درجة مائة درجة مئوية، ويفقد الشاهي طعمه المميز لأنه لا «ينطبخ» و«يطلق» بالشكل الكافي. وأما الوقفة الثالثة فهي في موضوع الحلاوة وهي من النعم العظيمة التي أصبحت في متناول الجميع، علما بأنها كانت في الزمان القديم مقصورة على الأغنياء فقط. ومما لا شك فيه أن حلاوة الشاهي هي إحدى أسرار روعته. وبالرغم من توفر نعمة السكر النقي الجميل بنظافته الرائعة، ولونه المغري، ورائحته الزكية، وطعمه الجميل، وسعره الرخيص، فهناك جوانب سوداء وشريرة لهذا المنتج.

تاريخ السكر يعكس العديد من الإساءات الاستعمارية في أقوى أدوارها: حكم القوي على الضعيف، والمتعلم على الجاهل، والأبيض على الأسود، والغني على الفقير. والموضوع باختصار هو أن في القرن السادس والسابع والثامن عشر، نمت شهية العالم للسكر. وكانت إحدى أفضل بيئة لزراعة القصب وتكرير السكر تقع في أمريكا. ولكن زراعة تلك المحاصيل كانت تتطلب أيديا عاملة بكثرة. وتم استيراد ملايين الأفارقة الغلابى من القرى الأفريقية وشحنهم إلى أمريكا ضمن أحد المشاوير الشيطانية. كانت تبدأ في أوروبا بشحن الملح والصناعات المعدنية الخفيفة إلى القرى الأفريقية حيث يتم استبدالها بالبشر المساكين. وكان يتم خطف معظمهم، وشحنهم رغما عن أنوفهم في ظروف حشر مخيفة في المشوار إلى أمريكا للعمل في مزارع صناعة السكر والتبغ، والقطن. ثم تعود نفس السفن من أمريكا إلى أوروبا محملة بالسكر، والتنباك، والقطن. وتعيد الكرة مرة بعد أخرى. ويقدر عدد الذين تم شحنهم من أفريقيا إلى أمريكا في المشوار غير الإنساني المخجل أكثر من 30 مليون إنسان. وتقدر نسبة وفياتهم أثناء الرحلة البحرية القاسية بما يفوق 20%. بصراحة هذه معلومات تقلل من نسبة الاستمتاع بحلاوة الشاهي مهما كانت نقاوة وحلاوة السكر. وأضيف هنا أن هذه التجارة المربحة ماليا ساهمت في تمويل الثورة الصناعية في أوروبا في القرن الثامن عشر.


أمنيـــــــة

أتمنى أن ندرك قيمة النعم التي نسعد بها في كل لحظة، وأن كلا منها تحكي حكاية تستحق أن نتعلم منها بعض الدروس، ومن أهمها الجذور التاريخية لما ننعم به اليوم وكل يوم بمشيئة الله.

وهو من وراء القصد.