-A +A
طارق فدعق
الحمد لله الذي سخر لنا نعم خدمات ضيوف الرحمن، والتقنيات الرائعة لتيسير تلك الخدمات. وستجد أن أغلبية الحجاج يكرموننا بالحضور جوا فهي وسيلة النقل الأكثر فعالية. ولو تأملت في الموضوع، ستجد أن هناك طائرة واحدة تألقت عبر الأربعين سنة الماضية في تحقيق حلم الحج لعشرات الملايين من المسلمين، وهي الـ 747 الشهيرة «بالجامبو». وللأسف يبدو أن شركة بوينج المنتجة للطائرة ستقرر في أي لحظة إنهاء تصنيعها بالكامل نظرا لقلة الطلب عليها. وتحديدا فخلال هذا العام بلغ عدد الطلبات عليها ناقص خمسة، أي أن في المحصلة النهائية هناك خمس طائرات كانت من المفروض أن تسلم عام 2017 تم إلغاؤها، وهذا من المؤشرات الخطيرة لطائرة يبلغ سعرها حوالي بليون ومائة مليون ريال.

وتتميز الجامبو بالعديد من المميزات، ومنها حمولتها الجبارة ومداها الطويل، فهي تستطيع نقل ما يزيد على أربعمائة راكب من أي من الدول الإسلامية إلى مطار جدة الدولي بدون توقف. وبالرغم من حجمها العملاق، واعتمادها على أربعة محركات، فإن تكلفة نقل الحاج منافسة جدا نسبة إلى الطائرات الأخرى، وخصوصا أنها أصبحت متوفرة بأسعار منخفضة نسبيا في أسواق الطائرات المستعملة حول العالم. وبدون شك أنها من المعجزات الهندسية، وإليكم بعض مبررات هذا التصنيف: بالرغم من عمرها الذي وصل إلى نصف قرن تقريبا، ووزنها الذي يصل إلى حوالي مليون رطل تقريبا، وحجمها العملاق الذي يجعلها تغطي مساحة فدان كامل على الأرض، فهي أسرع طائرة تجارية في العالم اليوم في الجو. يعني طول هذه السنوات لم يستطع عالم الطيران التجاري أن يأتي بما يتفوق عليها في الأداء باستثناء طائرتي «الكونكورد» الإنجليزية-الفرنسية و«التوبولوف» الروسية، ولكنهما كانتا من «الفيلة البيضاء». الكونكورد لم تنتج إلا 14 طائرة وكانت مكلفة جدا في التصنيع والتشغيل وكانت طائرة الأغنياء فقط. وأما «التوبولوف» فقد إنتج منها حوالي عشرين طائرة فقط. وكانت مكرسة لمن يتمتعوا بالواسطات الكبرى في النظام السوفيتي. وأما الجامبو فكانت، ولا تزال طائرة الشعب بمعنى الكلمة، فهي للجميع وقد أنتجت شركة البوينج 1550 طائرة خلال النصف قرن الماضي. ومن الطرائف أن في بداية مرحلة تصميم الطائرة عام 1965 كانت تعتبر ضمن طائرات «الدرجة الثانية»، لأن جهود شركة بوينج كانت منصبة على «عروس» الشركة آنذاك وهي طائرة البوينج 2707 الأسرع من الصوت، والتي كانت تمثل أحدث صيحة في عالم الطيران. كانت تلك الطائرة مصممة للطيران بسرعة تعادل حوالي ثلاثة أمثال سرعة الصوت وتعبر المحيط الهادئ بحمولة تبلغ حوالي 250 راكبا... شغل أحلام من الطراز الفاخر... الشاهد أنها فشلت وتم إقفال البرنامج بالكامل وفجأة أصبحت الجامبو هي النجمة الأولى. وسبحان مغير الأحوال.


ولابد من ذكر طرفة سريعة على الجامبو لأن التكليف الأساس لإنتاجها كان من خطوط «بان أميريكان» الجوية. كلفت تلك الخطوط شركة بوينج بتصميم لطائرة بطابقين على كامل جسم الطائرة. ولكن المصممين وجدوا البديل فقرروا الإبقاء على الحمولة والمواصفات، ولكن بزيادة عرض مقصورة الركاب بدلا من الطابقين. وقد اعترضت شركة بان أميركان على إلغاء الدور الثاني بالكامل مبدئيا، ولكنها قبلت لاحقا نظرا لمزايا التصميم بالذات في مجال الشحن الجوي. وكان الاعتقاد السائد أن طائرات الركاب ستتحول إلى طائرات شحن جوية بعدما تترهل. ولذا فستجد أن مقصورة القيادة في الدور العلوى أي في القبة في مقدمة الجامبو، وذلك لتيسير دخول حاويات الشحن من مقدمتها أسفل تلك القبة. وبالإضافة إلى ذلك سمح جسمها العريض باستيعاب تلك الحاويات الكبيرة بيسر تحت مقصورة الركاب، أو في بطن الطائرة لو تم تكريسها للشحن الجوي. وبمشيئة الله نجح التصميم في تحقيق ذلك. والدليل؟ حوالي نصف الشحن الجوي حول العالم بأكمله اليوم يتم نقله عبر البوينج 747 بشكل أو آخر.

أمنيــــــة

أتمنى أن نتذكر أن الطيران المدني كان ولا يزال من أهم بوابات التقنية لوطننا. وأن الخطوط السعودية كانت من الشركات التي اعتمدت على الجامبو في نجاحها عبر السنين. والسر في كل هذا هو السواعد السعودية المخلصة التي شغلت هذه الطائرة الجبارة وغيرها عبر السنين بسلامة وفعالية. وفقهم الله جميعا وكتب لهم الأجر

وهو من وراء القصد.