-A +A
صدقة يحيى فاضل
من الأمور المضحكة – المبكية التي تلاحظ على الساحة الدولية الراهنة، مشاركة إرهابيين في حملات ومؤتمرات ضد الإرهاب، كأن تشارك إسرائيل، أكثر دول العالم ممارسة لإرهاب الدولة، في مسيرات ومؤتمرات تحارب الإرهاب، وتعتبر مشاركتها دليلا على محاربتها للإرهاب، وشجبها لهذه الظاهرة البشعة..؟! أو أن يمارس طرف دولي الإرهاب، بشتى صنوفه وأنواعه، ثم يحسب من «الخيرين» الذين يقفون بالمرصاد ضد الإرهاب ؟! وقس على ذلك. لقد أصبح توجيه وصم الإرهابي لأي طرف دولي، أو غير دولي، بمثابة تهمة جاهزة، ليس من الضروري أن توجه للمذنب حقا، وإنما توجه لأي طرف تختلف معه القوى الدولية الباغية، وأحيانا يستخدم «الإرهاب» كـ«فزاعة» لتبرير ما لا يبرر.

يتجاهل الغرب المتنفذ السلوك الإرهابي الصهيوني الصارخ، المعادي ليس للعرب فقط، بل لكل الإنسانية ؟! إنه النفوذ الصهيوني المتحكم في أغلب مفاصل القرار السياسي في دول الغرب المتنفذ هذا، أضف إلى ذلك «استعداد» ذلك الغرب (التلقائي، ونتيجة أحقاد وقناعات وأهداف معروفة) لاتخاذ أي إجراء يضر بالعرب، ويضعف موقفهم، ولا يقتصر نفاق هذا الغرب المكشوف على التغاضي عن إرهاب إسرائيل، بل يمتد ليشمل تغاضيه عن إرهاب بعض حلفائه ومناصريه البين، بل واتهام مناوئيه زورا بالإرهاب، إن لم يستجيبوا لمطالبه الظالم أكثرها.


إن «الطرف» الذي يقوم بالإرهاب يمكن أن يكون: فردا، جماعة، تنظيم، دولة... إلخ. فهناك ما يسمى بـ«إرهاب الدولة» (State Terroris) غالبا ما يكون هو الإرهاب الأسوأ والأكثر تمكنا. ولعل أوضح الأمثلة على هذا النوع من الإرهاب هو: ممارسات الكيان الصهيوني (إسرائيل) الذي يقوم بإرهاب الدولة (ضد الشعب الفلسطيني) على مدار الساعة. ومن ذلك أيضا: ممارسة النظام القمعي السوري ضد شعبه، وقد ينتج عن أي إرهاب ردود فعل عنيفة، تعتبر – من قبل البعض – إرهابا...؟!

****

وعلى أي حال، فإن هذا الواقع المؤلم والمخجل يجب أن يدفع القوى النزيهة في المجتمع الدولي (إن كان الأخير جادا في محاربة الإرهاب الحقيقي) للمسارعة بوضع تعريف عالمي موحد متفق عليه عالميا، لظاهرة الإرهاب، وبحيث يشمل كل أنواع الإرهاب، أيا كان مصدره، حتى وإن كانت حكومة تل أبيب، ثم يحاكم الناس على أساسه، ويوزن الفعل بميزانه. من يصدق أن العالم ما زال يفتقر إلى تعريف عالمي موحد للإرهاب ؟!

هناك تعريفات إقليمية ومحلية للإرهاب في كل دول ومناطق العالم المختلفة، ولكن، ما زال العالم في انتظار وضع «تعريف» عالمي عام وموضوعي لـ«الإرهاب» مجمع عليه دوليا، ثم سن القوانين المناسبة لمعاقبة مرتكبيه، عبر آليات محكمة، يضمن الأخذ بها تحقيق العدالة والإنصاف لجميع المعنيين. إن غياب هذا التعريف يعيق معظم المحاولات الجادة لمحاربة الإرهاب الحقيقي. وكان من المؤمل أن تأخذ اللجنة القانونية التابعة للأمم المتحدة، والتي كلفت، منذ سنوات عدة، بصياغة معاهدة دولية جديدة لمكافحة الإرهاب، ذلك بعين الاعتبار، ولا تخضـع للتدخلات المغرضة، حتى تثمر أعمالها عن اتفاقية دولية نزيهة لمـكافحة الإرهاب الحقيقي، بشتى الوسائل الممـكنة، ومنهـا: دعـم المقاومـة ضد الإرهـاب، ولكن لا يبدو أن هذه اللجنة ستتوصل إلى تعريف موحد وحاسم لـ«الإرهاب»، لإصرار البعض على ارتكاب مظالم ضد هذه الجهة، أو تلك، تحت مظلة مكافحة الإرهاب الغامضة الواسعة.

****

إن «الإرهاب»، بمعناه الشامل، متعدد الجوانب، فهناك إرهاب سياسي وآخر اقتصادي، وهناك إرهاب ثقافي واجتماعي، وآخر أمني، أو مزيج من هذا وذاك، ويمكن تعريف «الإرهاب السياسي»، بأنه: محاولة فرد أو جماعة أو دولة ما تحقيق بعض الأهداف السياسية، عبر استخدام العنف وتخويف (ترهيب) صانعي القرار والمعنيين، والضغط عليهم، وذلك بقتل أو جرح وإعاقة بعض الناس (ولو كانوا أبرياء، لا دخل لهم في القضية المراد خدمتها) وخرق حقوقهم الإنسانية الأساسية وتدمير منشآتهم، أو بوسائل غير مشروعة أخرى.

وبهذا يصبح «الإرهاب الاقتصادي» (مثلا) هو: محاولة فرد أو جماعة مـا تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية، عبر استخدام العنف وتخويف (ترهيب) صانعي القرار والمعنيين، والضغط عليهم، بمختلف الوسائل غير المشروعة، و«الإرهاب الثقافي والفكري» (مثل آخر) هو: محاولة فرد أو جماعة ما تحقيق بعض الأهداف الثقافية والفكرية، عبر العنف وتخويف (ترهيب) المثقفين والمفكرين المعنيين، والضغط عليهم، بمختلف الوسائل غير المشروعة.

أي أن «قتل أو جرح بعض الناس وتدمير منشآتهم» ليس «الوسيلة» الوحيدة في الإرهاب بأنواعه: الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي والفكري... إلخ، فهناك وسائل ضاغطة أخرى وإن كانت كلها تتمحور حول الإكراه، عبر: التخويف والإيذاء والعنف والتدمير، والإكراه غير المشروع، إذن هو «إرهاب»، سواء كان هدفه سياسياً أو اجتماعياً أو فكرياً... إلخ، وخـطورة ما ينتج عنه فادحة في كل الـمجالات، وبالتالي فإن مقاومة «الإرهاب» بأنواعه هي أمر واجب ومطلوب، وبالتساوي.