-A +A
عبدالله الداني (المشاعر المقدسةokaz_online@
صدحت منارات مسجد نمرة الست في صعيد عرفات الطاهر بنداء الحق، ومؤذنة لأداء صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم اقتداء بالرسول (صلى عليه وسلم). واكتسى المسجد أمس (الخميس) حلة بيضاء كأنه قطعة إحرام منسوجة في رداء واحد بالتصاق والتئام ضيوف الرحمن بعضهم ببعض، الذين توافدوا إليه منذ وقت مبكر من صباح اليوم التاسع من ذي الحجة، ليشهدوا خطبة عرفة ناسجين لوحة زاهية داخل المسجد وفي الساحات الخارجية، في ملمح يتكرر مرة واحدة كل عام.

واكتسب المسجد أهمية كبرى من الناحية الدينية والتاريخية، ففي هذا المكان خطب النبي (عليه الصلاة والسلام) خطبته الشهيرة في حجة الوداع.


مسجد نمرة من المواقع التاريخية المهمة في الحضارة الإسلامية، ومسجد نمرة بفتح النون وكسر الميم من أهم معالم مشعر عرفات، ويتسع لمئات الآلاف من الحجاج الذي أتوا تائبين مطيعين منيبين إلى الله.

يقع مسجد نمرة إلى الغرب من مشعر عرفات، إلا أن جزءا منه في وادي عرنة وهو أحد أودية مكة المكرمة الذي نهى عليه الصلاة والسلام من الوقوف فيه، إذ قال المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وقفت هاهنا، وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة، وبطن وادي عرنة ليس من عرفة، ولكنه قريب منه. وبني المسجد في الموضع الذي خطب فيه الرسول (عليه الصلاة والسلام) في حجة الوداع، وذلك في أول عهد الخلافة العباسية، في منتصف القرن الثاني الهجري. ويتربع المسجد في مشعر عرفات، وهو من أهم معالمها التاريخية فيها، ويعرف في العديد من الكتب التاريخية بعدة أسماء مثل مسجد النبي إبراهيم (عليه السلام)، ومسجد عرفة، ومسجد عرنة.

وأُخذ اسم مسجد نمرة من قرية كانت خارج عرفة أقام فيها النبي (صلى الله عليه وسلم)، ثم سار منها إلى بطن الوادي حيث صلى الظهر والعصر وخطب في المسجد. ورجحت المصادر التاريخية أن مسجد نمرة شيد في المرة الأولى منتصف القرن الثاني الهجري على الأرجح، وحظي باهتمام خلفاء وسلاطين وأمراء المسلمين، إذ عمره «الجواد الأصفهاني» عام 559هـ، وأجريت له في العصر المملوكي عمارتان مهمتان الأولى بأمر الملك «المظفر سيف الدين» عام 843هـ، والثانية بأمر «السلطان قايتباي» عام 884هـ، وتُعد الأفخم والأكثر جمالاً وإتقاناً في ذلك الحين، ثم جددت عمارته في العهد العثماني عام 1272هـ، إلا أنه شهد في عهد الدولة السعودية أضخم توسعاته، ليصبح بذلك ثاني أكبر مسجد بمنطقة مكة المكرمة من ناحية المساحة بعد المسجد الحرام.