-A +A
"عكاظ" (النشر الإلكتروني)

أكد المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري، في خطبة عرفة، أن من أمور الجاهلية أن يُجعل موسم الحج موطناً للمزايدات أو مكان للشعارات أو المظاهرات، أو الدعوة للأحزاب والتجمعات.

وشدد الشثري، على أنه يجب أن يُجعل الحج لله وحده، فلا مكان للشعارات الحزبية والدعوات المذهبية والحركات الطائفية.

ونوه الشثري إلى أن المسلم يمقت الاعتداء على الآمنين من المسلمين وغيرهم في كافة البلدان، موضحاً أن الشريعة الإسلامية جاءت بما يحفظ الأمن والاستقرار.

وأشار إلى أن الدين الإسلامي زرع المحبة في القلوب ومقت الكراهية، ودعا إلى التآخي بين المؤمنين ليكونوا صفاً واحداً.

وطالب الإعلاميين بنشر الفضائل والخير الذي دعا له القرآن الكريم.

وكان الشثري قد استهل الخطبة بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم، ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر.

وتوافدت جموع غفيرة من حجاج بيت الله الحرام منذ وقت مبكر إلى مسجد نمرة في مشعر عرفات، اليوم (الخميس)، لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً، اقتداءً بسنة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم والاستماع لخطبة عرفة.

وامتلأت جنبات المسجد الذي تبلغ مساحته (110) آلاف متر مربع، والساحات المحيطة به التي تبلغ مساحتها ثمانية آلاف متر مربع بضيوف الرحمن.

وتقدم المصلين مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية الأمير خالد الفيصل، ومفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ ، حيث ألقى المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري، خطبة عرفة - قبل الصلاة - استهلها بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم، ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر.

وحث الدكتور الشثري حجاج بيت الله على تقوى الله، بالتزام شرائعه وترك نواهيه، للفوز بمحبة الله ومعيته والفلاح في الدنيا والأخرة، مستدلاً بما قاله الله سبحانه في محكم تنزيله ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) ، وقوله جل شأنه ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )، وبقوله ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ )، وقوله تعالى ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ " ، لافتا النظر إلى أن من تقوى الله التزام أعظم ما أمر الله به وهو التوحيد بإفراد الله بالعباد، حيث لا يصلى إلا لله، ولا يدع إلا الله، كما قاله في كتابه الكريم ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ )، وفي آية أخرى ( وأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ).

وقال الشيخ الدكتور سعد الشثري: " التوحيد هو دين رسل الله جميعا صلوات الله عليهم ، قال تعالى " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ، فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ، فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ "، وقال تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ) ".

وأكد أن التوحيد هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله ، فلا يعبد بحق إلا الله ، مستدلا بقوله تعالى ( ذِلكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) ، لافتا الانتباه إلى أن الشهادة الأخرى التي يحصل بها مع شهادة التوحيد الفوز والنجاة والفوز الكبير هي شهادة أن محمد رسول الله ،الذي أرسله الله لهداية الخلق وأوحي إليه بحيث يصدق في خبره ويطاع في أمره ولا يعبد الله إلا بما جاء به، كما قال سبحانه وتعالى ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى).

وأكد الشيخ الدكتور سعد الشثري، أن سبيل النجاه وطريق الجنة هو الإيمان مستدلا بقوله الله تعالى ( فأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا )، وبقوله تعالى ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ )، وبقوله جل شأنه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا).

وقال: "إن رسول صلى الله عليه وسلم ذكر أركان الإسلام ، فقال الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت أن استطعت اليه سبيلا ".

ودعا الشيخ الشثري المسلمين إلى الاهتمام والعناية بالصلاة، وقال: " الصلاة هي الصلة بين العبد وربه كما ورد في الحديث النبوي ( إذا كان أحدكم في صلاته فإنما يناجي ربه ) " مستدلا بقول الله سبحانه وتعالى ( وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ) ، وبقوله ( حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ ) ، مشيرا إلى أن الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله، وتكون بإخراج جزء معلوم من المال، وهي طهرة للنفوس ونماء للمال وتفقد لحاجة المحتاجين، كما قال الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ).

وأبان المستشار في الديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء، أن الركن الرابع من أركان الاسلام هو صيام شهر رمضان، مستشدها بقول الله تعالى ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ، أم الركن الخامس فهو حج بيت الله الحرام مستدلا بقول الله جل شأنه ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) .

وأوضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج في السنة العاشرة، ونزل عليه في يوم عرفة قوله تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ) ، وقال: "وما ذاك إلا أنه كمل دين الله وتمت شريعته المشتملة على الفضائل العالية والمحاسن الشريفة".

وأشار إلى أن من محاسن هذا الدين أنه حض على الاجتماع والتآلف والتعاون على الخير، كما قال الله سبحانه في كتابه الكريم (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ، وقال تبارك وتعالى ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا(.

وأكد المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري، أن من محاسن هذا الدين حثه المؤمنين على الأخلاق الفاضلة والأقوال الطيبة، كما قاله الله تعالى في كتابه الكريم ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )، وكما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ، وكذلك قوله جل شأنه ( فبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ) ، مبينا أن الله سبحانه أمر المؤمنين بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل مما يفرق المؤمن عن المنافق الصدق في الحديث والوفاء بالعهد والأمانة.

وأضاف: "ومن محاسن الشريعة أنها خير ورحمة للخلق أجمعين كما قال الله في محكم تنزيله ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، وأن من محاسنها أمرها بالعدل والاحسان وإعطاء كل ذي حق حقه، كما قال الله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ، وأن من محاسنها تنظيم الحياة على أكمل الوجوه وأتمها كما قال الله تعالى ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )".

وتابع: "إن من محاسن الشريعة تنظيمها لأحوال الأسرة بما يؤدي إلى سعادة الزوجين ببعضهما، وبما يؤدي إلى صلاح الذرية ليكونوا لبناة صالحة في مجتمعاتهم ، كما قال جل في علاه في كتابه الكريم ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

وواصل الشيخ الدكتور سعد الشثري حديثه عن محاسن الشريعة، مشيرا إلى أن مما اقتضته هو بر الوالدين وحسن تربية الأبناء وصلة الرحم ليتماسك المجتمع ويتآلف، ونهيها عن الفواحش والموبقات، كما قال الله تعالى ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ).

وقال: "إن من محاسن الشريعة تنظيمها للمعاملات المالية لتقضى حوائج الناس ولتنمو التجارة ويزدهر الأقتصاد المبني على ثقة الناس بعضهم ببعض، ومن هنا حرم الغش وأكل أموال الآخرين بالباطل وأكل الربا والجهالات في البيوع والقمار والميسر، وأمر بالعدل والإنصاف وتوثيق الحقوق".

وبيّن أن دين الإسلام شدد على مبادئ الأمن والاستقرار في المجتمع، لتزدهر به الحياة وتنمو به التجارات وتطمئن به القلوب، وليتمكن الناس فيه من عبادة علام الغيوب، لذا امتن الله على عبادة بنعمة الأمن فقال في محكم التنزيل ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ) ، مؤكداً أن الأمن جعل منحة لمن قام بشرعه كما قال في كتابه الكريم ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا).

وأكد الشيخ الدكتور سعد الشثري، أن المسلم مساهم في الأمن في كل مكان فهو لا يعتدي، متسائلا في الوقت نفسه، كيف يعتدي المسلم وهو يسمع قول الله تعالى ( وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )، وكيف يتجرأ على أمان غيره أو يسفك الدم وهو يسمع الله يقول ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ).

وقال: "طريقة المسلم عدم تجاوز ما أمر الله به من الوفاء بالعهود والمواثيق امتثالاً لقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)، والمسلم ملتزم بما أمر الله به من طاعة ولاة الأمور بما يحفظ النظام العام وينتج عنه استقرار البلدان وأمنها، كما قال الله تعالى في كتابه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ).

وأضاف: "المسلم يمقت الاعتداء على الآمنين من المسلمين وغيرهم في مختلف البلدان ويدين الاعتداء والجماعات الإرهابية، وأن الشريعة جاءت بما يحفظ الأمن والاستقرار في كل المجالات، فحفظت الأمن العقدي والأمن الفكري والأمن السياسي والأمن الاخلاقي، وجاءت بحفظ الأمن في الدول والأوطان، وجاءت الشريعة بزراعة محبة الخير في القلوب، فيتمنى المرء لأخيه ما يتمناه لنفسه، فالتحاسد مذموم والكراهية ممقوته، قال تعالى ( وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا).

وأكد المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء، أن التحاسد مذموم والكراهية منبوذة، مستشهدا بقوله تعالى ( وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْن ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ).

وقال: "لإن كان الشرع يأمر بنشر الأمن والسلام والاستقرار في جميع بقاع العالم، فإن الشرع يؤكد ذلك في هذه البلاد المباركة، كما قال تعالى ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا )، وقال سبحانه ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ )، وقال جل شأنه ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)".

واستطرد الشيخ الدكتور سعد الشثري قائلا: "توعد الله من همّ بالإحداث في الحرمين، فقال تعالى ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )، وكما أمن الله الحرمين الشريفين بهذه الولاية الإسلامية، نسأل الله سبحانه أن يعيد المسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يحفظ أهلنا في فلسطين، وأن يمن عليهم بالأمن والعيش الرغيد واسترجاع حقوقهم".

وأعاد المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري، إلى الأذهان، خطبة رسول الله صلى عليه وسلم في هذا الموطن الشريف، حين قال: (( ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميا موضوع ))، مبينا أن المسلمين نهوا عن الجاهلية العصبية المقيتة والتمييز بين الناس ورفع الشعارات والتفاخر بالأباء والأجداد، كما قال الله في كتابه ( فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ).

وحذر من جعل موسم الحج من أوامر الجاهلية، بأن يجعل موسماً للمزايدات أو مكاناً للشعارات أو المظاهرات أو الدعوة للأحزاب والتجمعات، وقال: "يجب أن يجعل الحج لله وحده، كما قال تعالى ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ )، حيث لا مكان للشعارات الحزبية ولا للدعوات المذهبية ولا للحركات الطائفية التي نتج عنها تشريد الملايين، وكان من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة (( لقد تركت فيكم ما لن تظلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ))".

وحث الأمة قاطبة على التمسك بكتاب الله لنيل الهداية والفلاح، مستشهداً بقوله تعالى: ( إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ ، فَمَنِ اهْتَدَى، فَلِنَفْسِهِ )، وبقوله سبحانه ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ )، وبقوله جل شأنه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا).

وخاطب الشيخ الدكتور سعد الشثري قادة الأمة قائلاً: "هذا كتاب الله بين أيديكم، سيروا على هدية وحكموه وانشروه في الأمة، قال تعالى ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ، فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ )".

ودعا علماء الأمة إلى الاستنباط من كتاب الله لحل المشاكل، وقال: "إن كتاب الله هو المصدر الكامل للهداية فاستنبطوا منه حلول مشاكل الأمة، كما قال تعالى ( لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ )، حاثهم إلى التقرب إلى الله بنشر أحكامه وأخلاقه".

ووجه الخطاب إلى الآباء والأمهات والمربين فقال: "ما أشد حاجة أبنائنا إلى أن يتعلموا القرآن، ففيه الهداية والفرقان والأخلاق الفاضلة، وخيركم من تعلم القرآن وعلمة".

وحث الإعلاميين على وجوب نشر ما دعا إليه القرآن العظيم من الخير والفضائل.

وأوصى الشيخ الدكتور سعد الشثري، أصحاب المال بالتقرب إلى الله بالبذل من ما أتاهم الله من المال في نشر كتاب الله وترغيب الخلق في تعلمه وتعليمه والعمل به والدعوة إليه ، مستشهداً بقوله تعالى ( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ، وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء، وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)).

وقال: "إن من هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم في عرفة بعد أن خطب أمر بلال فأذن ثم أقام فصلى الظهر مقصورة ركعتين، ثم أقام فصلى العصر مقصورة ركعتين، ثم وقف في عرفة على ناقته يذكر الله ويدعوه حتى غرب قرص الشمس، ثم ذهب إلى مزدلفة وكان يوصي أصحابه بالرفق ويقول: (يا أيها الناس عليكم بالسكينة والوقار فإن البر ليس بالإيضاع أي الإسراع)، فلما وصل مزدلفة صلى المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين جمع وقصر، وبات في مزدلفة وصلى الفجر بها في وقتها ، ثم دعا الله إلى أن أسفرت ، ثم ذهب إلى منى فرمى جمرة العقبة بسبع حصوات وذبح هدية وحلق، ثم طاف طواف الإفاضة، وبقى في منى أيام التشريق يذكر الله ويرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال، يدعو عند الصغرى والوسطى".

وتابع المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء قائلا: "لقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الأعذار في ترك المبيت بمنى"؛ مبينا أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز التعجل في الثاني عشر مع أفضلية المكوث بمنى إلى اليوم الثالث عشر وهو الأفضل، وأن المصطفى عليه أفضل الصلوات والتسليم لما فرغ من حجة وأراد السفر إلى المدينة طاف بالبيت.

ودعا حجاج بيت الله الحرام إلى اغتنام خيرات هذه الأيام المباركة، والإكثار من الدعاء لأنفسهم ولمن لهم حق وللمسلمين عامة، بأن يصلح الله أحوالهم ويتولى شؤونهم.

وسأل في ختام خطبته الله عز وجل، أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ويعينه على كل خير، وأن يجزيه على ما يقدمه من الخير والإحسان وخدمة الحرمين الشريفين، وأن يبارك له في عضده ولي العهد، وأن يتقبل من الحجيج حجهم وييسر لهم أمورهم، وأن يعيدهم لبلدانهم سالمين غانمين.