-A +A
سعيد السريحي
لا أحد يشك في الخطر الذي تمثله معظم «الشيلات» حين تتضمن ضروبا من النعرات القبلية لمجتمع لا يزال حديث عهد بقبلية، لم يضع حدا لما كان يترتب عليها من صراعات إلا قيام الدولة الوطنية، والتي لم تستطع رغم جهودها أن تذوب الانتماء القبلي في انتماء وطني، ولذلك نرى هذا الانتماء يطل برأسه بين الفينة والفينة في شعر المراد ومسابقات الهجن، ثم أسفر عن نفسه بوضوح في أغلب ما يتم ترديده من الشيلات التي سرت داخل المجتمع سريان النار في الهشيم، وكأنما هي تعبر فنيا عما لا يمكن التعبير عنه خوفا أو حياء.

غير أن لهذه الشيلات خطرا آخر يتمثل في ما تسهم به من إفساد الذائقة، فهي لا تقوم على الإيقاعات الرتيبة والسريعة والمرتفعة فحسب وإنما تهمش القدرة على التقاط الفن الرفيع للموسيقى والغناء القائم على التناغم وتعدد الجمل الموسيقية الكفيلة برقي الذائقة ومخاطبة الوجدان والروح، وليس كما تفعل الشيلات التي غايتها استفزاز أعضاء البدن للاندماج في حركات الرقص والتمايل، تلك الشيلات التي إنما تُسمع بالأقدام والأرداف لن تترك مجالا لتذوق موسيقى أو غناء لا تلتقطه إلا الأذن المرهفة.


وقد ولجت الشيلات إلى الساحة من باب جوازها حين كانت ضربا من الإنشاد الذي لا يصاحبه إلا الإيقاعات ثم ما لبثت أن استرفدت كل ما يمكن أن يزيدها صخبا من الآلات الموسيقية متحولة إلى ضرب هجين لا ينتمي إلى الحداء ولا ينتمي إلى الغناء ولا ينتمي إلى الفن الرفيع كذلك.