-A +A
عبدالرحمن اللاحم
السفير الذي استأمنته الدولة لأن يكون صوتها ويعبر عنها وعن هويتها؛ كان الجميع ينتظر منه انتفاضة بقلمه ضد نظام سياسي غاشم، استهدف وطنه وكيانه، إلا أن (الهوى غلاب) فجرفته الرياح المُسيسة وأبعدته عن شواطئ وطنه لتقذف به حول معاقل تيار كان يحلم بأن يرث وطنه ومقدراته تحت عباءة مرشد يريدها خلافة لا تغيب عنها الشمس.

سعادة السفير لم يرهق نفسه بأن يقول كلمة ولو جبر خاطر، أو تغريدة تدين تسجيلاً سمعه الكون كله، إلا من أصَمّت طبول (المقطم) آذانهم؛ تسجيلٌ يستهدف هذا الوطن ونظامه وقيادته، تجاهلوه لأنه صادر من دوحة الإيمان والديمقراطية التي كانوا يروجون لها في الزمن الخوالي.


وليت الأمر انتهى على ذلك؛ بل إن سعادة السفير وعشيرته تجاوزوا ذلك ليَفُتوا في عضد كل وطني شريف هب دفاعا عن وطنه، ليعايروه بأنه (وطنجي) أو من (الوطنيين الجدد)، كل ذلك من أجل صرف الأنظار عن كعبة المضيوم كما يسمونها، وتخفيف الضغط عنها، ولم يتعلموا من كُتّاب تلك الدويلة الذين على تواضع قدراتهم الثقافية والعقلية؛ إلا أنهم هبوا للدفاع عن وطنهم وهم يعلمون أنهم يخوضون معركة خاسرة، ولم يدخلوا دهاليز ضيقة كما فعل بعض كُتّابنا، ومن بينهم فارس هذا المقال بأن يشتتوا الأذهان بمماحكات فلسفية عن تعريف الوطنية ومعاييرها وشروطها على طريقة بقرة بني إسرائيل (ما هي؟ ما لونها؟)

عندما يسطو جارك على منزلك في ظلمة الليل؛ فإن كل من في المنزل سيهب للدفاع عن منزله ومسكنه ومستقبله؛ سيخرج الأطفال ينهشون المعتدي بأظفارهم وأسنانهم، وستخرج النساء بأدوات المطبخ تذود عن خدرهن وسيتصدى الرجال بكل ما أوتوا من قوة للمعتدي دفاعا عن مخدع أطفالهم، ولن يسألوا يوما عن ( لُحْمة) الجيرة ولن يحرثوا كتب الفلاسفة ليبحثوا عن التنظير العقلاني للدفاع عن منزلهم، لأن الفطرة السوية هي من تحركهم في تلك الليلة، تلك الغريزة التي أودعها الله في الإنسان والحيوان.

تلك الحقيقة البسيطة تغافل عنها أدعياء العقل والحكمة هروبا من الفتنة كما زعموا (ألا في الفتنة سقطوا).