-A +A
عبده خال
يجول بين جوالاتنا مشهد فيديو مؤلم لعاملة منزلية تعرضت لحروق ذات آثار تؤكد القصدية من الإيذاء.. وحمل المشهد حوارية بين المصابة والمصور لتلك الحادثة، وأجدني أستعيد الصورة التي تداهمني دائما، صورة لبيت مقام على خمسة أعمدة وقد ترك بلا لبنات أو سقف، وأي منا إذ عبر مثل هذا الهيكل يجزم أن بناء هذا البيت لم يكتمل بعد..

ولو سحبنا تلك الصورة على ما نحفظه عن ظهر قلب بأن الإسلام بني على خمسة أركان، وتجد أغلبنا يقيم تلك الأركان ولا يهتم بإقامة لبنات البيت وسقفه، ونحن بهذا الفعل نبطل جماليات الدين في أدق التفاصيل..


وقد رتب الإسلام حياتنا كاملة كمعاملة مع كل ما يحيط بنا من بشر وطير وحيوان وبيئة، إلا أن أغلبنا يحرص على أداء العبادات التي نشهد له فيها بالإيمان بينما الجزئيات المكملة والأساسية نتهاون بها جميعا.

وقاعدة «الدين المعاملة» هي جوهر محاسن الإسلام في حسن الخلق مع محيطنا كاملا.

وكما تنقل إلينا الممارسات السيئة ضد العاملات، ما زلت أتذكر النموذج الرائع الذي ضربته مواطنة سعودية مع عاملتها قبل فترة زمنية، وهي قصة نشرتها جريدة «عكاظ» عن امرأة استعانت بعاملة منزلية (إندونيسية) وخلال أيامها الأولى لاحظت صاحبة البيت أن العاملة متقاعسة عن العمل، ما دفعها إلى متابعتها ووضعها تحت الملاحظة.

لتكتشف أن خادمتها تكثر من دخولها إلى دورة المياه، وهو ما جعلها تشك في تصرفاتها، وما أن واجهت الخادمة بتلك التصرفات حتى انهارت باكية أمامها لتخبرها أن سبب مداومتها على الدخول إلى دورة المياه، هو لتتخلص من الحليب الذي حرمت منه طفلها بعد أن تركته في بلدها عقب ولادتها بعشرين يوما، وما إن تحققت من صدق الخادمة حتى قامت بإنهاء إجراءات سفر الخادمة، وتكفلت بقيمة رحلة العودة، إضافة إلى صرف رواتب عامين كاملين، معتبرة ذلك هدية منها لطفل الخادمة، وأبلغت خادمتها بأنها سترحب بعودتها بعد أن تطمئن على طفلها وتنهي فترة الرضاعة، وزودتها بأرقام هواتفها للتواصل معها.

وتعمدت إعادة التذكير بهذه القصة لكي تكون مقابلة لما يمارس ضد بعض الخادمات من أفعال سلبية وممارسات مقززة والقصة التي أعدت ذكرها نموذج يحقق وصية الرسول صلى الله عليه وسلم حين يقول: «إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ».

وهذه القصة تستحق إعادة تذكرها كنموذج إنساني يمسح ما ران على قلوبنا من سوء معاملة لبعض الخدم.

كما أن القصة تمثل نموذجا إنسانيا يعلمنا أن الإسلام ليس ركوعا وسجودا فحسب، بل هو الرقي التام بتصرفاتنا وسلوكنا مع كل ما يحيط بنا.

وعودة لبداية المقالة صرحت وزارة العمل بأنها سوف تتابع موضوع المشهد المنقول عن العاملة التي ظهرت على يديها آثار حروق، والأمنية أن تقوم الوزارة بدورة العائل الذي لا يرضى على أبنائه الإيذاء، وأن تقوم بأخذ القصاص ممن أحرق تلك العاملة المسكينة.