-A +A
سعيد السريحي
لم يكن التعايش الذي ساد بين مختلف الأطياف المكونة للمجتمع العربي والإسلامي يتجاوز كونه تجاورا سلبيا، تجاورا لا يكسر جدار العزلة التي تضرب أطنابها حول كل طيف من الأطياف، وإذا ما حدث تعارف أو تقارب فإنه لا يتجاوز الهامش المشترك والذي لا يعني أكثر من علاقات العمل أو تبادل الزيارات في المناسبات العامة، وحين يتصل الأمر بالمسائل الدينية والمذهبية حرص كل طيف على إبقاء ما يخصه في دائرة الكتمان وخاصة تلك الأطياف التي لا تمثل التيار العام أو الأكثرية في المجتمع.

لم يتح التعايش لكل طيف من الأطياف أن يقف على مسائل الاختلاف التي يتميز بها كل طيف عن بقية الأطياف، لم يتح الكشف عما هو مشترك بين هذه الأطياف كذلك، بقي الغموض سائدا والجهل مسيطرا وكانت غاية التعايش «لهم صلاتهم ولنا صلاتنا» دون رغبة في معرفتنا بصلاتهم أو معرفتهم بصلاتنا، وكأنما لكل طيف صلاة لا تتصل بصلاة الطيف الآخر ودين لا علاقة له بدينه.


هذا التعايش السلبي الذي مرت عليه قرون لم يكن له أن يصمد في زمن الفتن والصراعات التي تهدف إلى ضرب أطياف المجتمع بعضها ببعض وتحويل عناصر الاختلاف إلى عناصر خلاف، ولن يحتاج دعاة الفتنة إلى كبير عناء لتلفيق الأكاذيب وتزوير الحقائق، فليس هناك من أرضية خصبة لمثل ذلك كتلك التي يوفرها جهل كل طيف بالآخر، الجهل الذي نما في ظلال وضلال التعايش السلبي الذي كان يتكتم على الاختلافات الصغيرة حتى إذا ما نفخ فيها الشيطان وأعوانه غدت مما ينذر بتفكك المجتمع الواحد وزعزعة الوحدة الوطنية.

التعايش وحده، كما ذكرت بالأمس، لم يكن كافيا، وعلينا إذا ما أردنا لمجتمعنا أن يكون متماسكا غير قابل للاختراق أن نؤسس مجتمعا تنفتح أطيافه على بعضها ويعرف مسائل الاختلاف معرفته بمسائل الاتفاق معرفة تقوم على الاحترام المتبادل ومراعاة ما هو مشترك سواء كان على مستوى الدين أو على مستوى المشترك الإنساني العام.