-A +A
سعيد السريحي
لا أحد يستطيع أن يزعم أن الجالية الإسلامية المقيمة في الدول الأوروبية لم تكن متعايشة مع بقية المواطنين في تلك الدول ومع بقية الجاليات التي تنتمي لشعوب وديانات ومذاهب وفلسفات مختلفة، بل نستطيع أن نقول إن مصطلح جالية لم يعد ينطبق على كثير من المسلمين المقيمين في أوروبا بعد أن أصبح المواطنون في تلك الدول لهم ما لبقية المواطنين وعليهم ما عليهم، وفق قانون يحدد حقوقهم كما يحدد واجباتهم لا يفرق بين مواطن وآخر ولا يميز بين مواطن بالأصل ومواطن بالتجنس، وقد مضت على ذلك عقود من التعايش الذي لم تكن تشوبه ولا تثور حوله شبهة حتى ظهرت الجماعات الإرهابية والتيارات المتطرفة فانكسرت الجرة بين أوروبا وشعوبها، فأصبح الأوروبيون يشعرون أنهم هم أصحاب المكان وأصبح الذين كان أجدادهم وأجداد أجدادهم يشعرون أنهم طارئون على هذه الأرض التي ولدوا عليها، لا تقوم بينهم وبين أصحاب الأرض غير ضروب من الريبة والتوجس ومشاعر عداء ظاهرة حينا ومكبوتة حينا.

واكتشفت أوروبا أنها كانت تعيش وهما اسمه التعايش والذي لم يكن يضمن غير التجاور والعيش بسلام وفق ضوابط القوانين والعدالة الاجتماعية، التجاور بين مكونات اجتماعية لا تتواصل ولا تترابط بل ويجهل بعضها بعضا، تعيش كل طائفة منها في عزلة عن بقية الطوائف متوهمة أن ذلك هو السبيل الذي يحفظ لها هويتها ويحمي لها معتقدها.


أدركت أوروبا أن التعايش وحده لا يكفي ولا بد أن يتحقق التثاقف الذي يقيم جسورا من التواصل والتقارب والتفاهم بين مختلف المكونات العرقية والدينية والمذهبية المكونة للوطن الواحد، فلا يبقى طيف معزولا عن بقية الأطياف مجهولا ممن سواه جاهلا بغيره من بقية الأطياف.

أدركت أوروبا أن التعايش وحده لا يكفي، فهل لنا أن ندرك ذلك؟ وهل لنا أن نسعى إلى تحقيق ضرب من التثاقف بين مكونات مجتمعنا العربي والإسلامي فنجسر المسافة بين تلك الأطياف ونرتق الفتق الذي يتسرب منه الخلاف الذي لا يحول بينه وبين أن يتحول إلى فتنة ما نتوهمه من تعايش بين تلك الأطياف؟ هل آن للأطياف المكونة للمجتمع العربي والإسلامي أن تنتقل من التعايش للتثاقف فلا يغدو طيف منها غريبا في أرضه معزولا أو معتزلا في وطنه على نحو من السهل إثارة الفتنة بينه وبين بقية الأطياف الأخرى التي تشاركه الوطن وتتقاسم معه المستقبل والمصير المشترك.