المتحدث باسم الرئاسة في إقليم كردستان العراق خلال حديثه مع رئيس التحرير. (عكاظ)
المتحدث باسم الرئاسة في إقليم كردستان العراق خلال حديثه مع رئيس التحرير. (عكاظ)
مسعود بارزاني خلال حديثه لرئيس التحرير. (عكاظ)
مسعود بارزاني خلال حديثه لرئيس التحرير. (عكاظ)
-A +A
عبدالله الغضوي (أربيل) GhadawiAbdullah@
يختار الزعماء الأيام التي تعنيهم لتكون رمزا لأي حدث، وفي حوار «عكاظ» الذي أجرته مع «كاكا» مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، حدد تاريخ ١٦/‏‏‏٨/‏‏‏٢٠١٧ وهو يوم مولده ويوم تأسيس الحزب الديموقراطي الكردستاني في ١٦/‏‏‏٨/‏‏‏١٩٤٦،

كانت إشارة الاهتمام واضحة بالحديث مع «عكاظ». وقد تبين ذلك بالفعل، بعد الحوار الذي حظي باهتمام كل وسائل الإعلام التابعة للحزب، ومن رسائل الثقة التي تلقتها «عكاظ» من الرئاسة بعد التفاعل الواسع للحوار.


وأربيل مدينة مغمورة لكنها تستحق الوقوف؛ فقط في كردستان العراق، تصدح المآذن للصلاة بينما تبقى المحلات التجارية في مأمن رغم مغادرة أصحابها للصلاة، لا تجد هذه الحالات في معظم مدن العالم، لكن حجم الأمن والأمان في هذه المدينة يجعلك تدرك طبيعة الشعب الكردي الآمنة.

في هذا الإقليم «كردستان العراق» الذي يغيب عن أذهان العديد من العالم العربي، هناك ما يقارب 5 آلاف مسجد، بينما يصل عدد السكان إلى نحو ستة ملايين.

بعد الثورة الكردية في 1991 ضد نظام صدام حسين، ازداد عدد المساجد في إقليم كردستان، وفي الفترة منذ 1991 وحتى العام 2016 فإن عدد المساجد في الإقليم دون محافظة كركوك يبلغ نحو 5472 أي ما يقارب زيارة بلغت 4000 مسجد.

الطبيعة المحافظة هي الغالبة على سكان كردستان العراق المعروفة بتاريخها السني، وفي شهر رمضان الكريم يمنع فتح المطاعم والمقاهي نهارا، كما يمنع تناول الأطعمة نهارا في الإقليم ويجعل فاعله تحت طائلة العقاب.

كردستان العراق أو إقليم كردستان العراق هو إقليم عراقي يقع شمال البلاد ويتمتع بحكم ذاتي. تحده إيران من الشرق وتركيا في الشمال، وسورية إلى الغرب وبقية مناطق العراق إلى الجنوب. العاصمة الإقليمية محافظة أربيل، المعروفة بهولير بالكردية، ويتألف من ثلاثة محافظات رئيسية؛ السليمانية في الشرق، وأربيل في الوسط، ودهوك في الغرب. أما عملته فلا تزال الدينار العراقي، ونظام الحكم فيه برلماني.

هذه المدينة المجاورة للشمال مع تركيا، ما زالت بكرا على الاستثمارات الأجنبية، فيما تنتشر فقط بشكل واسع الشركات التركية، وتغيب بشكل شبه كامل الاستثمارات العربية، باستثناء شركة إعمار للبناء التي جاءت قبل الحرب على تنظيم «داعش»، لكنها سرعان ما غادرت بعد المواجهات معه، لكن من المتوقع أن تعود بعد أن عاد الأمن إلى هذه المدينة.

يعتبر الإقليم منطقة غنية بالغاز والنفط، فهو على طريق أن يصبح البلد السابع في تصدير الغاز الطبيعي، بينما يمتلك احتياطات نفطية في إطار القائمة الخماسية.

يعول البعض على الاستقلال عن العراق، لتبدأ المسيرة الاقتصادية والنمو، إذ لم يستثمر هذا الإقليم أيا من موارده بشكل كاف بسبب تتالي الحروب والصراعات عليه وحوله.

أوميد.. ثقة الرئيس وذراعه اليمنى

الساعة السابعة والنصف من يوم الثلاثاء في 15/8/2017 كان الموعد مع المتحدث باسم رئاسة إقليم كردستان.. فعلا وصل أوميد صباح في موعده، بدا دبلوماسيا للوهلة الأولى، في تعامله، ولباقته، وحسن تعامله مع رئيس التحرير، حيث دار حديث سريع ومتنوع بين السياسي والاقتصادي والثقافي، ما هي إلا لحظات حتى ارتدى أوميد رداء المؤرخ بحديثه المعمق عن تاريخ الكرد في المنطقة وتاريخ كردستان العراق، ثم استمر ليظهر مرة أخرى بوجهه القانوني بحديثه عن الأبعاد الدستورية والقانونية للاستفتاء، وكيف انتهكت حكومة بغداد -خصوصا في عهد نوري المالكي- كل الاتفاقيات الموقعة مع الإقليم.

في اللقاء الذي جمع الرئيس مسعود بارزاني ورئيس التحرير جميل الذيابي، كان أوميد يجلس على يمين الرئيس بارزاني، ما يدل على أهمية هذا الشخص، وحجم الثقة التي يوليها الرئيس بارزاني لذلك الشاب المتكلم والمطلع على أدق التفاصيل في كردستان العراق، وحتى الوضع السياسي في عموم العراق أيضا.

يحفظ أوميد دستور العراق بكامل فقراته، ولا تخونه الذاكرة على الإطلاق خلال الحديث حول انتهاكات بغداد للدستور، وعلى وجه التحديد طعن نوري المالكي للدستور العراقي، موثقا هذه الانتهاكات بأدق التفاصيل.

أوميد من مواليد العام 1980 من كركوك -إحدى المناطق المتنازع عليها بين الإقليم وبغداد- وقد حاز على لقب أصغر دكتور في القانون بالعراق في العام 2009، فيما حصل على البكالوريوس في القانون في العام 2003 في عام سقوط النظام العراقي السابق، وبعد ذلك بثلاثة أعوام تقريبا حصل على الماجستير.

يعمل الشاب «القانوني» أوميد، متحدثا باسم رئاسة الإقليم منذ العام 2012، بينما شغل عدة مواقع منذ العام 2010، وهو محط ثقة الرئيس بارزاني ويمتاز بقدرته الفائقة على التنسيق، فيما يتحدث العربية بلسان عربي وبلغة رصينة تطغى عليها مفردات القانون.

«سري رش».. إجراءات أمنية مشددة

في الطريق إلى قصر فخامة الرئيس مسعود بارزاني في مصيف صلاح الدين، عانقنا جبال الإقليم الشاهقة، باتجاه القصر «سري رش» وتعني بالعربية الرأس الأسود. هذا القصر الذي كان في يوم من الأيام أحد قصور صدام حسين، يلتقي الرئيس اليوم فيه كل ضيوفه من الخارج، وفي «الرأس الأسود» دار حوار رئيس التحرير جميل الذيابي على الطاولة البيضاوية وجها لوجه مع فخامة الرئيس.

وصلنا ونحن في طريقنا إلى قصر الرئيس، إلى نقطة التفتيش الأولى قبيل قصر الرئيس بقليل، وكان من المعتاد أن يتم تفتيش كل من يتوجه إلى لقاء الرئيس مهما كانت هذه الشخصية، وبطبيعة الحال تم تفتيش السيارة التي تقلنا بعد أن دخلنا إلى غرفة للاستراحة بينما تنتهي عناصر الأمن من تفتيش السيارة التي تعود أصلا للقصر الرئاسي، ومع ذلك لا بد من تفتيشها. ومررنا بمسؤول البروتوكول على مداخل البوابات الإلكترونية، لكن المفاجأة كانت بتفتيش الجوالات الخاصة.

ساد الصمت في الغرفة الصغيرة المخصصة لاستراحة الضيوف، وما هي إلا دقيقتان حتى عادت «الهواتف الخاصة» حينها كان زهير قد أوغل في أحاديث عن صفات الرئيس مسعود بارزاني أنستنا «جوالاتنا»، ثم اتجهنا إلى السيارة الخاصة لنتوجه إلى القصر، وفي انتظارنا الرئيس في قصره الذي بدا مقلا في الموظفين.

.. ويخطف أنظار الصحف ووكالات الأنباء

حديث رئيس إقليم كردستان العراق «كاكا» مسعود بارزاني المطول لصحيفة «عكاظ» نال اهتمام الصحافة العالمية ووكالات الأنباء، نظراً لتوقيته ونوعية أسئلته، حتى إن الصحف الإيرانية والتركية أفردت مساحات للحوار.

وتناولت صحيفة كيهان حديث بارزاني عن علاقة حكومة إيران وبغداد، واهتمت وكالة الأنباء سبوتنيك الروسية بأجزاء كبيرة من الحوار، بيد أن حديث رئيس إقليم كردستان العراق عن الاستفتاء نال نصيب الأسد من الاهتمام.

«لم يكن الحوار تقليدياً، كان مكاشفة سجلها بارزاني للتاريخ»، وبهذه الكلمات يصف صحفي كردي وقع الحوار على الصحف المتحدثة بالكردية، فيما لا تزال أصداء الحوار تجوب الآفاق بين الساسة في الإقليم.

واهتمت الصحف التركية بشكل كبير في الحوار، وأرفقت تعليقات من مسؤولين أتراك وأكراد على الحوار، واهتمت صحيفة «Daily Sabah» التركية برفض بارزاني تأجيل الاستفتاء في كردستان، كما تناولت وكالة TRT التركي ذات الزاوية.

ونقل موقع «Middle East Montior» ما اعتبرته تحركاً قوياً للأتراك نحو الاستفتاء، ونقلت أجزاء من الحوار الذي أجرته «عكاظ» مع بارزاني.

وخصصت صحف عربية وخليجية حيزاً مهماً للحوار الذي اعتبرته أوساط صحفية بالمهم جداً، نظراً لدخول الأكراد مرحلة الاستفتاء في ظل الرفض الأمريكي والتركي والعراقي.

بارزاني.. فصاحة عربية.. وموعد بمواصفات سويسرية

كان الموعد مع فخامة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في تمام الساعة الحادية عشرة صباحا، وقد توقعنا أن يمتد الموعد إلى ساعة إضافية، بحكم الطريق الطويل من مقرنا في الشيراتون إلى قصر الرئاسة، إلا أن مسارنا إلى مقر الرئيس كان متزامنا مع الترتيبات الأمنية والبروتوكولية، فقد وصلنا إلى قصر الرئيس في الساعة 10:45 صباح يوم الأربعاء، ولم يطل الانتظار على الإطلاق، حتى أطل كاكا مسعود إلينا متوثبا بكامل نشاطة ولياقته وهو في الحادية والسبعين من عمره.

كانت مصافحته تشير إلى عزم شاب، وخطواته المتزنة لا تشبه عمره أبدا، فهي خطوات كردي بارزاني «جبلي»، فيها الكثير من الفتوة والشباب.

حدثنا أحد مسؤولي البروتوكول في القصر أن كاكا مسعود قليل الأكل، دقيق في مواعيده، ليس من عادته التأخر أو التأخير في التزاماته، وبالفعل فقد بدأ الحوار فور وصوله إلى القاعة في الساعة الحادية عشرة والدقيقة الثالثة.

ليس من السهل أن تجد لسانا كرديا يجيد العربية، فاللغتان متباعدتان تماما، ولا يخلو الأمر بالنسبة لأي لسان كردي من استبدال المذكر بالمؤنث والعكس صحيح، فضلا عن مخارج الحروف، لكننا وجدنا فصاحة تضاهي فصاحة العرب من فخامة الرئيس، بل وجدنا إيجازا في الإجابة واختصارا كنا في غنى معه عن ملاحقته بالأسئلة.. كانت كلماته محسوبة ومتأنية ولا تراجع فيها أو تعثر، حاضر الذهن متقد العينين، يخجلك بتواضعه وخجله الذي يعكس تربيته «البارزانية»، ناهيك عن حرصه على سماع كل ما يُقال.. ينتقي كلماته بعناية بلسان فصيح لا يتقنه أي كردي.

توغل كاكا مسعود في الحديث عن التسامح الكردي، واستشهد بقصة العفو عن فيلقين عراقيين من جيش صدام قتلا الشعب الكردي في كردستان، وحين انكسر جيش صدام في 1991 أعفى الإقليم عن الفيلقين في أوسع عملية تسامح مع الآخر.