-A +A
صدقة يحيى فاضل
تنتشر هذه الميليشيات الإجرامية الآن في البلاد المضطربة، والتي كانت تحت سيطرة ديكتاتوريات قمعية... تعتبر هي أهم أسباب ما آلت إليه الأمور في هذه الدول من اضطراب وعدم استقرار وخراب. فلولا تلك الديكتاتوريات لما أصبحت هذه البلاد لاحقا نهبا للقلاقل والمحن، وكل هذه الفتن. ويستغرب من يتباكى على تلك الأنظمة، معتقدا أن عودتها ستضمن عودة «الأمن»...؟! إنه الجهل السياسي المركب.

إن أهم وأقوى التنظيمات الإرهابية المسلحة بالمنطقة تتواجد الآن في: العراق، سورية، اليمن، ليبيا، وغيرها. في الساحة العراقية تتواجد الآن ميليشيات عديدة، منها: الميليشيات الشيعية، وخاصة: فيلق بدر، عصائب أهل الحق، لواء أبو الفضل العباس، جيش المهدي، جيش المختار. ويشار إليها مجتمعة بـ «ميليشيات الحشد الشعبي». وتحظى هذه الميليشيات بالإضافة لاعتراف الحكومة العراقية الحالية، بإمكانات بشرية ومادية كبيرة. ومعظمها يتلقى دعما ماديا ومعنويا هائلا من إيران...؟! ونتيجة لذلك، أصبح لهذه القوات دور عسكري وسياسي بالغ الخطورة على الساحة العراقية، وغيرها. وهناك ميليشيات سنية، وطائفية نشطة أقل قوة وتمكينا.


أما أقوى التنظيمات الإرهابية المسلحة الخارجة على القانونين العراقي والدولي، فهي حركة «داعش»، التي تستهدف كل ما عداها، والتي تتمدد حاليا في كل من العراق وسورية، والتي تقول الدول المتنفذة في المجتمع الدولي إنها تحاربها، وإن القضاء عليها قد يستغرق سنوات... حركة «داعش» الإرهابية ما زالت هي الأخطر، والأكثر تمكنا ونفوذا وسيطرة على الأرض، لدرجة أنها تدعي أنها «دولة». فهي تسمي نفسها «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام»، ويرمز لها بـ«داعش». وتحيط الكثير من الشكوك بقيام ونمو وتوسع هذا التنظيم الإرهابي (الإسلاموي) الذي نشأ في محافظة الأنبار التي تسكنها غالبية سنية. وظهر، أول ما ظهر، عام 2013م، في مدينة «الفلوجة» (في الأنبار، وتبعد عن بغداد 60 كم) أثناء ما سمي بـ «انتفاضة المحافظات الغربية». وأصبحت الفلوجة أول مدينة يسيطر عليها هذا التنظيم، ومنها أعلن عن إقامة ما يسمى بـ«دولة الخلافة الإسلامية».

***

وتعتنق هذه الحركة المشبوهة فكرا دمويا متخلفا ومتحجرا وبالغ التطرف، تدعي أنه الإسلامي الأصح...؟! والإسلام النقي من هذا الفكر براء – كما هو معروف. ويتواجد أنصار لها وتوابع في كل من: اليمن، ليبيا، سيناء، الصومال، شمال نيجيريا، باكستان، وغيرها من البلاد العربية والإسلامية. وزعيم هذا التنظيم هو سيئ الذكر: أبو بكر البغدادي. وهو شخص يشتبه أنه صنيعة الموساد الإسرائيلي، ويقال إنه قتل أثناء معركة تحرير الموصل من داعش. وغالبية أنصار الحركة هم أتباع فكريين لداعش. إذ إنهم يؤيدون التوجه الأيديولوجي الداعشي دون أن تكون لهم صلة مباشرة بالتنظيم في عاصمته الحالية مدينة الرقة.

وفي الواقع، يتمدد نفوذ تنظيم داعش من مشارف حلب غربا حتى مدينة الكرمة، قرب بغداد، شرقا. ومن مدينة القائم في الأنبار جنوبا حتى الموصل وسنجار شمالا. إذ أصبح يهيمن على نحو 25% من مساحة العراق، ونحو 20% من مساحة سورية. وهو أكثر تركزا ونفوذا في محافظة الأنبار... فمن أصل 41 مدينة في الأنبار، كانت حركة داعش تسيطر على 36 مدينة منها، بينما تقع خمس مدن فقط بيد القوات الحكومية العراقية والموالين لها.

وبتاريخ 17 مايو 2015 م، تمكن تنظيم داعش من بسط سيطرته الكاملة على مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار. وحاولت قوات الحكومة العراقية، مدعومة بقوات من «الحشد الشعبي»... تحرير مدينة الرمادي من قبضة داعش دون جدوى، رغم سقوط مئات القتلى والجرحى من الجانبين المتحاربين. ولكن الجيش العراقي تمكن من تحرير هذه المدينة بتاريخ 28/‏12/‏2015م. وبعد تحرير مدينة الموصل بتاريخ 7/‏7/‏2017م، بدأ نفوذ داعش ينحسر بشدة من كامل التراب العراقي. وتقول قوات التحالف الدولي ضد داعش إنها تحضر الآن لاسترداد مدينة الرقة، لتنهى وجود هذا التنظيم على الأرض.

***

ويصعب، في الواقع، تغطية أهم النقاط المتعلقة بحركة داعش، فكرا وتنظيما وسلوكا، في عجالة كهذه. لهذا، ذكرنا بعض أهم ما يتعلق بتلك النقاط، وقد نتحدث عن البعض الآخر لاحقا. إن قيام ونمو وتوسع هذه الحركة تم بمساعدة – مقصودة وغير مقصودة – من دول كبرى وأطراف دولية معروفة... استفادت من وجود هذه الحركة مؤقتا. ولا يمكن أن لا يكون لأعداء الأمة العربية، إذا، الدور الأكبر في قيام ونمو وتوسع هذه الحركات... التي لعبت دورا بارزا في تمزيق دول المنطقة ونشر الاضطراب والقلاقل وعدم الاستقرار في ربوعها، إضافة إلى تشويه الإسلام بشكل غير مسبوق في التاريخ. وما كان التخاذل «الدولي» في محاربة حركة داعش إلا لتمكينها من تنفيذ الدور المرسوم لها. نأمل أن لا يتحفونا الآن بما هو أشبه، وربما أسوأ.