-A +A
تمر على حياتنا مواقف كالدروس التي أخرجتها لنا الحياة، قد تكون مواقف مؤلمة تصيبنا بالصدمة والحذر من القادم، أو ربما تكون بمثابة الحافز للتقدم إلى الأمام، واللبيب من يستفيد من هذه المواقف ويتعلم منها ويدركها بوعي كامل. سأذكر لكم موفقين متناقضين لبعضهما؛ الأول: في إحدى الأسواق (سوبر ماركت) بمدينة جدة استوقفني مشهد أحببته كثيرا، إذ رأيت سعوديا في الأربعين من العمر صادف شابا من الجالية الفلبينية يعمل موزعا لألبان شركة معروفه، فوقف أمامه وسأله: «أأنت من الفلبين؟»، قال: «نعم»، ضم الرجل الشاب إلى صدره وقبّل رأسه قائلا: «أنا أحب الفلبينيين لأنهم مخلصون في العمل، ومجتهدون، ودائما مبتسمون»، خرج الفلبيني من المتجر وهو مبتسم.

أي سعادة وثقه زرعها هذا الرجل في قلب الفلبيني، وهذا التصرف قد يدفعه إلى أن يجتهد أكثر في عمله، وربما زرع في قلبه صورة حسنة عن السعوديين بأكملهم، في أنهم يملكون هذا الخلق. نحتاج كثيرا لمن يصنع الدافع والحماسة، ويغرز في نفوس الجاليات الأمان والاحترام، فهم بشر يستحقون كلمة شكر وتحفيز، لا إلى تعنيف وحرمان من حقوقهم، فعندما نقِّدم لهم مثل هذا فإننا ننقل صورة حسنة عن الإسلام الذي هو دين معاملة. الموقف الآخر سيئ ويصدمك لتعيش يومك مكتئبا بسببه، والمؤلم أننا شعب يرفض التدخل في مثل هذه المواقف، رغم انزعاجنا منه، لا نعلم لما لا نتدخل ونوقف أي موقف يثير اشمئزازنا. كنت في مدينة ملاهي أبها.. رأيت طفلا لا يتجاوز الـ 11 من العمر يتطاول على موظف الملاهي (هندي الجنسية)، ويتلفظ عليه بكلمات غير مناسبة، انفعل ذلك الموظف من سوء أدب ورفع صوته لإسكات الطفل الذي تمادى أكثر وحاول ضرب العامل، حاولت التدخل ولكن لا أعلم ما الذي منعني.. ربما صدمة الموقف لطفل يتجرأ على رجل في سن والده.


أي بيئة نشأ فيها هذا الطفل، أنا على يقين أنه يتعرض إلى العنف في منزله، وربما يشاهد أحدا ينهر العاملة المنزلية أو السائق، وأحب أن يطبق هذا العنف على غيره، من المؤكد أنه معتاد على هذا التصرف، لأن تصرفه وألفاظه القذرة تدل على أنه تربى ذلك الأسلوب الفظ.. أي صورة سيئة رسخت داخل قلب الموظف الهندي؟، ولماذا نشاهد مثل هذا التصرف. شتان بين الموقفين؛ الأول: رسَّخ في قلب الشاب حب الشعب بأكمله وحب الدين، والآخر أنشأ داخل الرجل كراهية وتشاؤم لسوء خلق الطفل وقلة احترامه لمن هو أكبر منه سناً. عندما تتلاشى الأخلاق والاحترام والتقدير من قلوب أبنائنا فإننا نتحمل نحن جزءا كبيرا من الخطأ، لأننا قصرنا في غرس القيم والأخلاق الشريفة في قلوبهم، إذ كيف لمسلم أن يكون عديم الأخلاق!!، فأين نحن من (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، (وإنك لعلى خلق عظيم).

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، فقال: «رجل يا رسول الله، أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟!» قال: «تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره» والخلاصة: عندما ترى الصواب اشكر، وعندما ترى الخطأ عقب، فسكوتك عن الحق يجعل الأخلاق تتلاشى، وقد يصِّور البعض تلك الأخلاق السيئة بهاتفه المحمول وينشرها في موقع التواصل الاجتماعي، وكأنها أمر غريب!!، حتى انتشرت وتصبح لدى البعض منظرا عاديا عند اعتياده على رؤيتها.. مع الأسف.

فاطمة أحمد العاصمي Fatima_Alasmy@hotmail.com