-A +A
عبدالعزيز النهاري
أعتقد، وقد أكون مخطئا، أن قضية «السعودة» في بلادنا أخذت وقتا طويلا، ودخلت في دهاليز إجرائية معقدة، ومنها أنها وضعت برامج للتوطين اصطدمت بالتطبيق والتحايل والهروب من لجان التفتيش، لأنها انطلقت في رأيي الخاص جدا من البوابة الخطأ، ومازلنا حتى الآن نعيش جدلا لم ولن ينتهي طالما أن «التوطين» كقضية لم تؤخذ على محمل جاد رغم سلامة نية وتوجه المسؤولين في وزارة العمل وجهدهم المستمر وعملهم المتواصل لتحقيق «التوطين» المطلوب. أقول إن القضية لم تؤخذ على محمل جاد لأنها تحتاج إلى دراسة علمية شمولية وقناعة مجتمعية ليكون التوطين «ثقافة» مجتمع كامل من رجل الشارع إلى أصحاب الأعمال وشركاتهم ومؤسساتهم، بمعنى أن تكون لدى أرباب العمل قناعة بأهمية التوطين وضرورته كمطلب وطني لا يقبل النقاش ولا المساومة ولا الخداع ولا التهرب والتحايل على القوانين انطلاقا من تأثيرهم الاقتصادي، وهذا هو الواقع الذي يتعامل به بعضٌ من القطاع الخاص وليس الكل، فهناك من رجال الأعمال من حمل شرف التوطين وتحمل من أجله الكثير من المتاعب لأنه يؤمن بأن المواطن شريك في كل المكاسب والثروات التي يجنيها. وهناك أيضا من القطاعات التي آمنت بالسعودة وطبقتها على أرض الواقع مثل البنوك، وقلة من شركات السيارات، وأقول قلة، لأن بعضها ما زال يعيش مرحلة عدم الثقة في قدرات شباب الوطن.

«التوطين» قضية بلد، تتطلب التصدي لها من عدة جهات ولا تتحمل وزارة العمل وحدها ذلك العبء، فالقضية تمس الوطن بجميع مكوناته التي يجب أن تشترك في الخروج بتوجه نحو حل منطقي وواقعي وشامل، كما تتطلب أيضا الخروج ببرامج للسعودة تهدف إلى التطبيق المتدرج، وليس إلى خلق مواجهة مع أرباب الأعمال تعتمد على الغش والخداع والتحايل، وكمثال على ذلك سعودة محلات الجوالات والتوجه لسعودة البقالات وقبلها سعودة حلقة الخضار وقبل ذلك بسنوات عديدة سعودة محلات بيع الذهب، كل هذه الأعمال يمكن سعودتها ولكن ليس الآن، فهناك مجالات أعمال في الشركات وحتى في بعض مرافق الدولة أحق بالسعودة، بعضها أعمال كتابية لا تتطلب مهارة خارقة أو تأهيلا عاليا، وهي من وجهة نظري أولوية حتمية قبل محلات الجوالات والبقالات أو حلقة الخضار.


أخيرا أود أن أذكر هنا بأنه من الحكمة وجود الدكتور علي الغفيص على رأس الهرم في وزارة العمل، لأنه وبخلفيته القوية وخبرته الطويلة في التدريب والتأهيل المهني، سيخرج للوطن بتطبيق واقعي للسعودة، يعتمد على تدريب وتأهيل السعوديين لكافة الأعمال المتنوعة والمتعددة والتي لن يكون لأرباب الأعمال وقتها أي عذر في تشغيل أبناء وبنات وطنهم بعد تأهيلهم لكل المجالات التي يطلبونها.