-A +A
حمود أبو طالب
من المؤشرات الإيجابية على تأكيد انتقالنا إلى مرحلة جديدة تؤطرها الشفافية تغيير أسلوب التعامل مع الميزانية العامة للدولة وطريقة إدارتها ومتابعة إعلان أرقامها ومؤشراتها وتفاصيلها بشكل دوري، مثلما أُعلن مؤخراً عن أرقام النصف الأول لميزانية 2017 التي طمأنتنا أكثر على أوضاعنا الاقتصادية بحسب برامج الرؤية الوطنية التي أصبحنا نعمل وفقها.

ومن الجوانب التي قد يقرأها البعض بشكل سطحي غير دقيق ما تتم الإشارة إليه من خفض الإنفاق على بعض المشاريع وإلغاء البعض، إذ يتم تفسيره بأنه مؤشر على عجز أو تعطيل لمشاريع مهمة أو بخس في تقديم الخدمات الأساسية، بينما بالإمكان قراءة هذا الإجراء على نحو إيجابي ومنطقي استناداً إلى حقائق نعرفها جميعاً.


لا يخفى أنه في فترات سابقة كانت هناك مبالغة كبيرة في تكلفة كثير من المشاريع، مبالغة لا يستوعبها المنطق حتى لو أُريد لواحد من تلك المشاريع أن يتم بشكل لم يسبقنا إليه أحد وجودة لا يصل إليها مشروع مشابه في العالم، كذلك كانت هناك مشاريع لا ضرورة لها أساساً لأنها لا تقدم شيئاً مهما للمواطن يدخل ضمن احتياجاته الأساسية أو حتى الثانوية. كان ذلك يتم في إطار واحد أرهقنا مالياً بشكل بشع اسمه «الفساد»، فساد الذمم وفساد الأمانة وفساد الرقابة وفساد أنظمة المتابعة والمحاسبة والمساءلة والردع والعقاب.

كنا نرى مشروعا صغيرا لا تزيد تكلفته على بضعة ملايين حتى لو تم إنشاؤه من أفضل خامات البناء وبأعلى مواصفات الجودة وتم تأثيثه من أفخم شركات الأثاث وتجهيزه بأحدث وأجود الأجهزة، ومع ذلك نجد أنه تم رصد عشرات الملايين لمشروع كهذا ولينتهي في حالة سيئة رغم كل محاضر اللجان المسؤولة عن الإشراف عليه. لقد مررنا بمرحلة لم تعد فيها الملايين ذات شأن في أرقام المشاريع، ولم تعد تشفي نهم القائمين عليها، فدخلنا مرحلة المليارات في معظم المشاريع وانتهينا من تلك المرحلة المليارية بكثير من المشاريع الهشة التي انكشفت عورتها سريعا، أو التي لم تنجز إلى الآن.

السيد الفساد كان حاضراً بقوة، وما زال ولن ينتهي، لكن على الأقل وكأضعف الإيمان لا بد من محاصرته بالحزم والضبط والربط. نعم نريد مزيدا من المشاريع الحيوية بجودة عالية، ولكن لا نريد رصد تكاليف باهظة لها يذهب جزء كبير منها إلى جيوب الفاسدين.