-A +A
عبده خال
ثمة قضايا تثار على مستوى الرأي العام وسرعان ما تخبو وكأن تلك القضية لم تمر ببال أحد من البشر، ولم تحرك الناس للحديث عنها والجدل حولها..

والكاتب ربما يظل متذكرا القضايا التي يطرحها ويعاود الحديث عنها أو حولها عل ما لا يكن مقبولا يأتي عليه زمن يكون مقبولا، وكثير من القضايا تحولت من الهامش إلى المتن بسبب التغيرات الفكرية الاجتماعية، ولكل حقل معرفي نقلات نوعية يمكن لها الإسهام في إحداث متغيرات اجتماعية وأذكر بأني كتبت مقالا (ضمن عدة مقالات عبر سنوات كتاباتي الصحفية) عن التجنيد والفقه وأن حياتنا تندرج عبر أسس تربوية نتعلمها ونكتسب صياغتها فتخالط مشاربنا وأهواءنا ومن خلالها تتكون سلوكياتنا، فكثير من المعارف تندمج فيها المعرفة بالسلوك لتشكل قناعاتنا.


والانتماء الوطني بذرة يتم ريها من وقت مبكر بوسائل مختلفة وفق ما هو ديني أو تعليمي أو أيديولوجي، وفي المجتمعات الحديثة

لجأت كثير من الدول إلى الخدمة الوطنية واختيار شبابها للمشاركة في الخدمة العسكرية لتعزيز القوة الوطنية في الحرب العالمية الثانية، فظهر كمصطلح قاسٍ (التجنيد الإجباري) كان يحمل عنفوان الحروب ويدلل على الاحتياج الوطني لشبابه في الذود عن مبادئه وسيادته وحدوده، علما أن البشرية استخدمت هذه الوسيلة منذ فجر التاريخ كواجب إنساني يستشعر به الفرد من غير أن يدفع إليه، وجاء استخدام مفردة الإجبار في زمنية احتاج الوطن لكل أفراده.

وفي أوقات مبكرة كان الكتاب يطالبون بإدخال الشباب إلى الخدمة العسكرية لأسباب مختلفة إلا أن تلك المطالبات كان يتم القفز عليها بحجج مختلفة.. أما الآن والظروف المحيطة بنا تستوجب إعادة هيكلة بنية المجتمع ووضع أمن البلد كأسس أولى للدفاع عن منجزاته وبنيته، وكذلك انصهار جميع الأطياف في وحدة البناء؛ لذلك يستوجب الأمر استدعاء طاقة الوطن الشابة..

ولأن الحياة تسير وفق احتياجاتها فإنها تتشكل وتأتي على ما كانت ترفضه حتى يغدو ملحا؛ ولذلك نجد من كان يعارض تجنيد الشباب سوف ينساق إلى تكاملية بنائية الواقع المفروض عليه.

وقد سبق أن دعا المفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ بقوله «لا بد أن نهتمّ بشبابنا ونهيئهم، والتجنيد الإجباري، إذا وُفّقت الأمة له، سيساهم في إعداد الشباب لأداء المهام».

وهي دعوة تدلل على أن كل زمن يحتاج إلى وعي فقهي، بحيث لا تستطيع الحياة التقدم في ظل تأخر فقه الواقع.. وكثير من الأمور المعيشية تعطلت بسبب الافتراق بين واقعين لم يتكاملا.

وكذلك نتصور أن الخدمة العسكرية للشباب ستكون خدمة لتوظيف قدراتهم وإسقاط حزمة ضوء في سبيل جديد لخدمة الوطن... ومع تكالب الظروف التي تستوجب حماية أمننا يستوجب معها رفع أعداد من يكونون مهيئين لحمل السلاح والدفاع عن الأرض والأمن..

والظرف القائم هو ظرف ملائم لعودة المطالبة بتجنيد الشباب لأسباب كثيرة، ولا أحتاج لأن أكون خبيرا عسكريا أو إستراتيجيا لكي أدلل بأن الوقت قد حان لإدخال التجنيد كخدمة جوهرية لحماية أمن الوطن.