عبدالحسين عبدالرضا
عبدالحسين عبدالرضا
-A +A
خالد الجارالله (جدة) kjarallah@
كديمة هطلاء يرومها يباب المثقلين ببؤس الحياة، يتحينها أولئك العطشى الهاربون من وعثائها رتابتها، مرّ عبدالحسين عبدالرضا طيفاً عابراً دون أن تقبض عليه ضحكاتهم وتصطاده أعينهم.

مرّ خاطفاً في غفلة منهم.. وقد أغدق عليهم زمناً طويلاً بضحك لا ينتهي، وكوميديا أنيقة ما انفكت تخطفهم إلى حيز لا هموم فيه ولا كدر.


مات عبدالرضا.. وعشاقه لم يعهدوه يوما يجرح السعادة التي تشع من وجهه لقلوبهم.. لم يعهدوه أن يقطب حاجبيه الودودين اللذين لطالما قوَّسَ بهما ملامحه الضاحكة وشكل عبرهما حضوره المدهش السلس.

اليوم.. للبكاء حرقته وللحزن هيبته.. فالفن الخليجي أصبح يتيماً.. ووجه الكوميديا بات شاحباً كئيباً!

رحل عبدالحسين.. المؤسس الحقيقي لمسرحنا الخليجي، وأول الراسخين على خشباته بثبات لم يسبقه إليه أحد، حتى أنه ما برحه إلا ليعود إليه واثباً من جديد نحو سفح شاهق وعلو باسق، قلَّ أو استحال وصول سواه إليه.

أعاد عبدالحسين تشكيل الفن الخليجي، فكان قاموسه ومعجمه، تشرب القادمون الجدد أسلوبه المُشبع بالفخامة، فكانوا جيلاً بعد جيل ينتمون إلى مدرسته بالعمل معه أو التتلمذ على مشاهده الخالدة في ذاكرته.

سيرته الفنية تتدفق فخامة وأناقة، منذ بدايتها حين استهلها أوائل ستينات القرن الماضي بمسرحية «صقر قريش» باللغة العربية الفصحى، التي انتهز فيها بصيص ضوء ليخطفه ويضوي به إبداعاً، كان بمثابة الصفر الذي انطلق منه والقاعدة التي انطلق منها.

من منا لا يذكر «درب الزلق» أو يستمتع بـ«الأقدار»، أو يغرق ضاحكاً في «باي باي لندن» و«على هامان يا فرعون»، من منا لم تهز وجدانه فصول مسريحة سيف العرب.

سيشتاق محبوه إلى الروح المرحة التي طوعت الضحك لعلاج قضاياهم الشائكة، وطوعت أوجاعهم ومشكلاتهم ليضحكوا ويستمتعوا به ومعه، سيشتاقون إلى حسينوه ودواس وبو عليوي وبن عاقول وعبدالله العافور وعتيق.

حتى مشهده الأخير سيبقى عظيماً وخالداً في ذاكرة الناس، فروحه التي قُبضت في لندن، وقلبه الذي توقف عن كل شيء إلا الحب، التأم حولهما محبوه وعشاقه على اختلاف جنسياتهم وطوائفهم واهتماماتهم، ليخاطبوه بجملة واحدة.. «وداعاً أيها العملاق».

سيودع الكويتيون والخليجيون فارس المسرح الخليجي والأب الروحي له، في مشهد استثنائي يجهزونه من أجل أن يكون وداعا يليق به وبتاريخه الممتد لعقود، وشعبيته الشاسعة على امتداد صحاري الجزيرة وسهولها.