-A +A
هاني الظاهري
هناك مواقف لا تحتمل المراوغة والتلون، على رأسها الانتماء للوطن والوقوف في صفه وقت الأزمات، فإما أن تكون وطنيا أو خائنا لوطنك.. هكذا بكل بساطة ووضوح، لا يوجد شيء اسمه نصف وطني أو ربع وطني، إما أن تكون وطنيا أو عدوا، وهذا بالطبع أمر مزعج لذوي الانتماءات والميول الحزبية المعادية للوطن، فهم لا يستطيعون التصريح بأنهم أعداء علانية خوفا من المحاكمة أو فقدان الامتيازات التي حصلوا عليها باللعب على الحبال، ولا يستطيعون كذلك الصمت تجاه اندحار مشاريع أحزابهم وضياع أحلامها السياسية أمام أعينهم، ما يدفعهم لمهاجمة مفهوم الوطنية نفسه عبر تصويره كسلوك معيب و«نفاق» يتعارض مع استقلالية الفرد وحرية الرأي.. أي بشكل أوضح يعملون على جعل خيانة الوطن «وجهة نظر» يجب احترامها أما «الولاء للوطن» فهو مجرد «تطبيل».

كاتب سعودي من ذوي الميول الحزبية الصارخة خصص مقالاته وتغريداته في تويتر طوال الأيام الماضية لمهاجمة الكتاب والإعلاميين الوطنيين الذين عبروا عن آرائهم المؤيدة لسياسة بلادهم تجاه الخيانة القطرية، فتارة يصفهم بالوطنجيين والوطنيين الجدد وتارة أخرى بالمكارثيين، ذلك لأنه أجبن بكثير من مهاجمة سياسة الدولة التي تتعارض مع ميوله الحزبية بشكل مباشر، ما يجعل أقصى نقطة يمكنه الوصول إليها للدفاع عن مشروع حزبه المنهار تتمثل في محاولة النيل من مؤيدي سياسة الدولة وتشويه مواقفهم لا أكثر.


أتفهم أن يكون الشخص معارضا لسياسة ما من سياسات الدولة فهذا حقه ويمكن مناقشته على أساس ذلك والأخذ والرد حيال أطروحاته، لكن أن يكون معارضا للدولة وجبانا في الوقت نفسه بحيث لا يجرؤ على إعلان موقفه بشكل صريح وينزلق بخسة متناهية لمهاجمة من يعلنون عن مواقفهم الموالية لقيادة وطنهم، فهذا للأسف هو العيب الذي لا تجدي مع صاحبه المناقشة أبدا، إذ إنه هزم نفسه بنفسه مسبقا ولبس برقعا من العار المفضوح الذي لا يمكن تغطيته بآلاف الكلمات.

إجمالا يجدر بنا أن ندرك أن الأزمات فضّاحة، وكما قيل قديما «جزى الله الشدائد كل خير» لأنها كانت وما زالت كفيلة بنزع أقنعة خونة الأوطان وتعريتهم أمام كل من كان يظن فيهم ظنا حسنا أو يدافع عنهم دون أن يدرك حقيقتهم، فمنذ اندلاع حرائق ما سمي بالربيع العربي تمايزت الصفوف تمايزا تاما، وظهر المواطن المخلص لوطنه الحريص على أمنه واستقراره، فيما انكشف العدو المستتر المتربص بالوطن الذي كان يحلم ويمني نفسه وأشباهه باستيلاء حزبهم المتاجر بالشعارات الدينية على السلطة، ثم أصيبوا بالجنون حينما لُفظ ذلك الحزب من قبل الشعوب الأخرى وتم إسقاطه في مزبلة التاريخ بين عشية وضحاها، وقد حان الوقت ليقول السعوديون الشرفاء لهؤلاء الخونة بأعلى صوت «نعم.. نحن وطنجيون.. فمن أنتم؟».