-A +A
علي أبو داهش *
يحاول إعلام قطر وعلى رأسه قناة «الجزيرة»، أن يصور للرأي العام الإقليمي والدولي، بخصوص الأزمة الخليجية الحالية، أن سبب الخلاف بين السعودية والإمارات ومصر والبحرين من جهة، وبين قطر من جهة أخرى هو صراع بين مشروعين؛ مشروع تغريبي محارب للدين الإسلامي، ومشروع استسلامي مستعد أن يتخلى عن قضية فلسطين وجميع الحقوق العربية لصالح إسرائيل، وكذلك يتضمن أيضا محاربة حقوق الأفراد وحرياتهم في التعبير، وإيذانا بعودة للأنظمة الشمولية الديكتاتورية.

وفي المقابل، يصور ذلك الإعلام أن قطر تتبنى المشروع الآخر الذي يحرص على الحقوق العربية، وهو الذي يدعو إلى دعم المنظمات الإسلامية المقاومة لإسرائيل وأمريكا (الإخوان وحماس مثلاً)، ويتبع تلك الادعاءات أن قطر تتبنى حقوق الإنسان وتدعم المحرومين والبسطاء في المجتمعات الأخرى لأخذ حقوقهم ولو بالثورة على أنظمتهم الحاكمة (ويقولون لا نتدخل في شؤون الآخرين).


طبعا جميع تلك الادعاءات والتسويق لها ليس صحيحا، والشواهد على ذلك كثيرة، وأولا فمنذ ١٩٩٥ والقيادة القطرية السابقة والحالية لديها حاجز نفسي تجاه الجارة الكبرى (السعودية)، وصياحهم طيلة تلك السنوات أنهم دولة مستقلة ذات سيادة وليسوا تابعين لأحد، والحقيقة التاريخية أن القيادة السعودية التي عُرفت بالرزانة والحكمة طيلة تاريخها وحتى الآن لم تحاول أن تحتكر القرار الخليجي داخل مجلس التعاون في أي وقت من الأوقات، بل إن قرارات عديدة صدرت منه كانت تختلف عن وجهة النظر السعودية ومحاضر اجتماعات المجلس خير شاهد، ولكن حرص القيادة السعودية الدائم على وحدة الصف الخليجي والمحافظة على اللحمة أمام التهديدات والأخطار التي تواجه دول المجلس تجعلها تترفع عن أي اختلاف وتقبل بتلك القرارات وكان معظم الخلافات بتدبير قطري، ولكن نفسية القيادة القطرية ليس لها حل، المملكة العربية السعودية مهبط الوحي ومنبع الرسالة المحمدية وأرض الحرمين الشريفين، هل يتوقع العاقل أنها قد تقبل بمشاريع تهدف إلى تدمير الدين الإسلامي الحنيف والقرآن والشريعة الغراء دستورها ومنهجها؟ (ما لكم يا قوم ألا تعقلون).

إن قطر تُمارس نفس الدور التي كانت تمارسه بعض الأنظمة العربية القومجية والثورية ونظام الملالي في إيران بمحاولة ابتزاز المملكة في الادعاء بحرصهم على الحقوق العربية والقضية الفلسطينية، مع أنهم يقومون بجميع الممنوعات وذلك بإقامة العلاقات والتطبيع مع إسرائيل في الخفاء والهجوم عليها في العلن، والقيادة السعودية تعلم ذلك ومع ذلك بحكمتها تتخطى ذلك، وفي المنابر الإعلامية يكيلون لها السباب والشتائم إذا السعودية أرادت أن تبحث عن مصالحها، وإذا تعلق الأمر بمصالحهم أخذوا وضعية الميت حتى لو تعارضت مع مصالح الأمة.

بالنسبة للقضية الفلسطينية فنقول لإعلام قطر لا تزايدون علينا في ذلك، فالدماء الطاهرة لطوابير الشهداء لأبناء المملكة العربية السعودية التي سالت على أرض فلسطين في حرب ٤٨ وحرب ٦٧ وحرب أكتوبر ضد العدو الإسرائيلي خير شاهد يا إعلام عزمي بشارة، بالإضافة إلى الدعم المادي والمعنوي الضخم والذي قدمته المملكة للإخوة الفلسطينيين منذ النكبة وحتى الآن دون مِنّة أو طلب رد جميل، ولم تَفَتح المملكة مكتب تمثيل في العاصمة الرياض وكل هذا خير شاهد.وبخصوص تبني قضايا الحريات والحقوق، فقد أرسى المؤسس الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه) سياسة الباب المفتوح بين القيادة السعودية وشعبها ومواطنيها، ولم يعرف عن النظام السعودي روح الانتقام من الدول أو معارضيه الذين أساءوا إليه، ولم يمارس الدموية مثل ما مارسته أنظمة مجاورة وعربية، بل إنهم يحكمون الشريعة السمحة في كل مناحي الحياة، وإن حصلت بعض الأخطاء فهذا شيء طبيعي يمكن حدوثه في أي نظام أو بلد في العالم، ولكنه نظام مرن يصحح أخطاءه ولا يجنح إلى العنتريات والفذلكات للتغرير بالبسطاء وكسب المعارك الوهمية، بل هو نظام عقلاني وواقعي يسعى إلى تحقيق مصالح الوطن ونصرة القضايا العربية والإسلامية بكل هدوء، ولقد تضررنا من ذلك كثيرا، أما الآن فالسعودية (قيادة وشعبا) لن تسمح بأي حال من الأحوال لقطر أو غيرها أن تأخذ دور السعودية القائد للعالمين العربي والإسلامي أو تحاول أن تتخطاها أو تتعارض مع سياستها، لقد ولى زمن المجاملات، فالسعودية ومصالحها أولا.

* باحث في الشأن السياسي والاجتماعي