-A +A
منذ ظهورها الأول، غيرت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير طريقة تفاعل البشر بعضهم البعض، فكما وفرت خاصية التواصل مع أي شخص في أي مكان بسهولة، أثبتت أنها أداة قوية عززت شعورنا بأننا جزء من مجتمع عالمي، فالحاجة للارتباط مع الآخرين جعلت المستخدمين يتهافتون عليها لتنمو أعدادهم بوتيرة غير مسبوقة، وبعد أن كان السؤال كيف يمكن العيش معها؟ أصبح السؤال وفي وقت قياسي كيف يمكن العيش دونها؟، وكأنها جزيئات متواجدة منذ الأزل في الحمض النووي البشري.

بين «تويتر» و«فيسبوك» و«أنستغرام» و«يوتيوب» و«واتساب» و«سناب شات» وغيرها من التطبيقات التي حمّلت على شاشات وأجهزة اختلفت خاصياتها وتسمياتها، تشتت الاهتمام وأصبح التركيز على الذات وسطحية الإدراك عنوان المستخدم لها، الكل يحرص على مشاركة أفضل ما لديه، ليس على صعيد النوعية بل كل ما يدخل في إطار المجاملة الخادعة والبهرجة اللامعة الكاذبة، فغابت الأمانة في نقل المعلومة واختصرت المشاعر في رسائل والنقاش في تغريدة، وأصبح الشخص يقيم ليس بفكره وعلمه بل بعدد متابعيه، وأصبحت اللحظات تسجل لتصنع أعدادا اجتمعت بالآلاف بل بالملايين أحيانا دون تفاعل أو إحساس يذكر بينها، فحولنا إلى سجناء العزلة الاجتماعية.


أصبح الكل يبحث عن قدوة تتناسب ورغباته المكبوتة، يتتبع أخبارها، يقلدها ويستبدلها بقدوات حقيقية ملموسة تفصله عنها أبواب الغرف التي أوصدت ليوصد معها باب التفكير والتمييز العقلاني، وفي ظل نظرية المؤامرة والدسائس التي توجد عبر كل الأزمنة بغرض التلويث الفكري وإحباط قيم بنت حضارات عريقة انعطف أمامها تاريخ البشرية، استغلت حرية التعبير التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي التي تكاد تنعدم فيها الرقابة لنشر الكراهية والعنصرية، دون أخذ التصنيف العمري والثقافي بعين الاعتبار، فأمام معلومات مغلوطة دون أي بناء جوهري تدور معارك كلامية طاحنة، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى اعتماد بعض أرباب العمل في قرارات توظيفهم على ما تترجمه مواقع التواصل الاجتماعي عن الشخص وليس على السيرة الذاتية.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: إلى أين المسار؟، هل ممكن أن تخلق السلبيات المذكورة أعلاه دافعا قويا للجهات المسؤولة للسعي للتحكم في المحتوى المعروض في «السوشيال ميديا» واختيار الشخصيات المؤثرة فتصبح منبرا مقننا بالموروث البشري الأخلاقي، أم أن عطش حرية التعبير وبريق الشهرة الذي يعتبره أغلب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مصدر الإدمان عليها سيعتبر أي محاولة لتعديلها وتقنينها كبحا للحرية؟، بين هذا وذاك التقدم التكنولوجي وسيلة غرضها خدمة البشرية.. هذه الأخيرة التي تبنى لبناتها على التفاعل والاجتماعية والتواصل الحقيقي بمشاعر إنسانية.

محمد مشبب القحطاني

mohd_nq@hotmail.com